رغم أن البلاد كباقي بلدان المعمورة تعيش وضعا استثنائيا بالغ الخطورة، يحجب أي حديث عن غير معركتها الأساسية، حيث لا صوت يعلو على صوت الجائحة، الشيء الذي جعل ما تقوم به الدولة من اجراءات وقائية لحماية صحة المواطنين ضد تفشي وباء كورونا يشبه حالة الطوارئ الغير معلنة، إلا أن الحديث عن بعض ما يدور في دهاليز القطاعات الاقتصادية الحيوية يطرح نفسه باستمرار.
ولعل “الشرطة الاقتصادية” من بين أهم تلك القطاعات، فمنذ وصول المدير الحالي للجمارك الوطنية الداه ولد المامي بدأت عملية غربلة وانتقاء من عناصر الإدارة لكل عنصر يرى صلاحيته للتوظيف في توجهات النظام حينها، التي تهدف لتغول القطاع الضريبي، وجعل الميزانية ضريبية بامتياز، حتى وصلت ل71 % من مداخيل الخزينة العمومية للدولة، في تطبيق يرى في ظاهره الصرامة والجدية في تطبيق القوانين، لكن الجوانب “الرحيمة” لذلك النظام الجمركي، -والثغرات التي قد توجد به، والامتيازات المتاحة- باتت حصرا واستثناء -في غالبها الأعم- على عناصر محددين، مقربين من الإدارة يسبحون في فلك الدائرة المحيطة بالمدير بمبالغ خرافية بطريقة هادئة، وعكس توجهات الإصلاح المعلن عنها.
فرغم أهمية هذهدا القطاع في الحركة الاقتصادية للبلد، و ما لها من تأثير مباشر على حياة المواطنين، إلا أن المتأمل سيتفاجئ بما يجري داخل أروقة هذه الإدارة الحيوية ومن ما يسمع ويرى.
حيث تسود المحسوبية والزبونية ما يؤثر على حياة الناس وممتلكاتهم تأثيرا سلبيا، ورغم المداخيل الكبيرة للجمارك إلا أن “خاصية” المدير استحوذت على امتيازات هائلة مكنتها من الاستفادة من الثغرات القانونية بشكل استثنائي.
لقد فرش لهؤلاء السجاد الأحمر وسخرت لهم مصالح وإدارات وخلق المدير العام دائرة من الوسطاء والمخلصين الجمركيين تسهل لهم الأمور بشكل سلسل نظرا لعلاقتهم الخاصة برأس القطاع، أو حظوتهم لدى الرئيس السابق.
ومن بين تلك الامتيازات جمركة الحاويات ب400.000 أوقية قديمة في حين أن سعر الجمركة الأساسي هو 2800.000 أوقية قديمة، كما يتم إعفاء بعض المركبات من بينها آليات كبيرة بحجج عديدة، وتغيير تسمية البضاعة لتخفيض جمركتها كما يحصل على قماش “بازاه” الذي يجمرك على أنه “بالوطة” من الملابس المستعملة، وكذلك يحصل مع مكيفات الهواء التي تصنف على انها مستعملة، وكذا جمركة حمولة بعض السفن، وفي هذه الحالة تم عمليا تعطيل دور المخلصين وإلغاء اعتماداتهم عمليا وباتوا وسطاء يقتاتون على ما يفيض عن المخلصين اصحاب الحظوة لأن نسبة كبيرة من مداخيل الجمارك تمر عبر هؤلاء المخلصين.
وجعل نسبة كبيرة من مداخيل الجمارك تمر عبرهم في حين أنهم يستحوذون على مبالغ كبيرة كان مقررا أن تذهب إلى الخزينة العامة للدولة.
وقد واصلت الإدارة في السير على هذا النهج الذي اضر بمصالح العديد من العاملين في هذا القطاع الحيوي، واستخدم للي أذرع البعض وتمكين البعض الآخر ممن يحظون برضى المدير العام واستهدافا لأشخاص من دائرة معينة من الوسطاء معروفة لدى القطاع الجمركي .
وظهرت مسلكيات منفرة وبعيدة التسيير الشفاف لهذا المرفق الهام وتمثلت في النقاط ا لتالية:
1 – هناك أسعار تخليص جمركي تعلن للعموم وتتم مضايقة المخلصين اللذين لا يرضى عنهم المدير العام وعرقة ملفاتهم وإجراءاتهم الإدارية عبر بيروقراطية مفتعلة حسب ما يقول هؤلاء.
2- تحديد تسعرة خاصة للدائرة الضيقة من المدير العام في هذه الإدارة والتي لا حدود للمصالح المرتبطة بها، وتتراوح ما بين الإعفاء التام وسدس المبلغ المحدد أصلا للتسعيرة وقد أِرنا إلى مثال سابق لهاتين التسعيرتين.
3- اعتماد تسعيرة جزافية الهدف منها تحاشي اعتماد الفواتير لأن ذلك سيحرج خاصيات المدير العام، ولأن اعتماد الفواتير من شأنه أن يضع قواعد واضحة الشيء الذي قد يقلل من إقبال المتلقين للخدمة على مخلصي المدير العام اللذين باتت قرابة 80% من الخدمات الجمركية تمر عن طريقهم بسبب التسهيلات.
4- غالبا ما يستثنى المخلصون المقربون من التفتيش
5- فتح باب الغرامات الجزافية وفتح باب للزبونية والمحسوبية في مجال جمركة السيارات حيث يصرح بعدم قابليتها للجمركة ميدانيا بسبب فترة الاستخدام، ويتم فتحها لاحقا مقابل غرامة تساوي التسعيرة المقررة أصلا والتي تجعل في الوصل الخزيني، بينما تذهب الغرامة إلى جيوب الإدارة، الشيء الذي يثبت عدم جدوائية منع جمركة السيارات أصلا لهذا السبب، حيث أنه لو كان الأمر كذل لما تم فتحها مقابل خدمة يدفع ثمنها في جيوب المدير العام وحاشيته المقربة منه، ومضايقة غالبية المواطنين، وتضرر فئات عريضة من الشعب في عدم الحصول على خدمات تؤثر على قوتهم وأعمالهم.
مما تسبب في انتشار ظاهرة التهرب، وتزوير المخالصات والفواتير بسبب عدم شفافية إدارة الجمارك وانتقائيتها التي لا تخطئها العين.
6- تشجيع الأساليب التي مؤداها انتشار الرشوة والوساطة واحتكار الخدمات المقدمة لثلة قليلة من المقربين، الشيء الذي جعل هؤلاء وسطاء للتخليص الجمركي ووسطاء بين المخلصين الآخرين والإدارة مما خلق تراتبية بين المواطنين أصحاب الحظوة والمواطنين المغضوب عليهم من قبل المدير العام، وبقيت مداخيل الخزينة ا لعامة تترنح بين هذه المسلكيات.
7 تظاهر المدير العام بالكثير من المثالية المبالغ فيها أمام كبار المسؤولين في الدولة وزملائه في السلاح بعد طلبوا منه بعض الخدمات التي يحتكرها لخاصيته معتذرا بشفافية الإدارة، ويعرض أحيانا أنه سيدفع الخدمة من جيبه الخاص منعا للإحراج مستقبلا، في حين أن هناك ثغرات عديدة يمكنه النفاذ منها للحفاظ على ماء وجهه وجيبه.
8- تعمد مضايقة واستهداف أوساط من المخلصين والمتلقين للخدمات لا يرى بأنها تدين له بالولاء، وذلك في انتظار الضغط من جهات عليا بشأنها.
كل تلك النقاط وما سبقها يجعل السلطات العليا أمام مسؤولياتها ويضع الكرة في ملعبها لاتخاذ قرار يحفظ شفافية هذا المرفق الهام بالنسبة للدولة كمورد اقتصادي حيوي، ولما له من تأثير على الفاعلين الاقتصادية وأقوات وأرزاق المواطنين البسطاء.