المستعرضرأي

سجين موريتاني متابع في قضايا الإرهاب يكتب عن آداب الحوار

يتطلع الرأي العام الموريتاني هذه الأيام لإنطلاق الحوار السياسي والإجتماعي وبهذه المناسبة نذكر أصحاب القرار والرأي الوطني رغبة الكثير من سجناء السلفية بموريتانيا فتح حوار معهم واعتبارهم جزء من هذا الحوار، وإكمال لنجاحه، لأن ملفهم مرتبط بالٱستقرار والسلام الإجتماعي، فلا نتيجة لحوار سياسي في ظل إنعدام الأمن والإستقرار، وعليه فإن فتح حوار مع الراغبين من السجناء السلفين بموريتانيا سيكون مكملا ودافعا لنجاح الحوار المرتقب ،وخاصة ان هؤلاء ينادون منذ فترة بفتح الحوار معهم من جديد بعد نجاح الحوار السابق والذي اصبحت موريتانيا تفتخر به، ويعد لها في تجربتها تلك ونجاعتها، وعليه فإن الحوار مع هؤلاء اصبح ملحا ومستعجلا من اجل مصلحة البلاد واسنقرارها ونموها، لأنهم قابلون ومستعدون للإندماج في المجتمع من جديد والمشاركة في البناء وعملية تقدم البلاد.

إن الحوار هو “محادثة بين أشخاص أو فريقين حول موضوع محدد لكل منهما وجهة نظر خاصة به هدفها الوصول إلى الحقيقة، أو أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر , بعيدا عن الخصومة أو التعصب بطرق يعتمد على العلم والعقل , مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد طرف الآخر.

و للحوار أهميه كبيرة، فهو من وسائل الاتصال الفعالة حيث يتعاون المتحاورون علي معرفة الحقيقة والتوصل إليها؛ ليكشف كل طرف منهم ما خفي على صاحبه منها، والسير بطريق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.

والحوار مطلب إنساني، تتمثل فيه أهمية استخدام أساليب الحوار البناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في الجماعة والتوصل مع الآخرين، كما يعكس الحوار الواقع الحضاري و الثقافي للأمم والشعوب، حيث تعلو مرتبته وقيمته.

كما أن الاختلاف بين البشر حقيقة فطرية ، وقضاء إلهي أزلي مرتبط بالابتلاء والتكليف الذي تقوم عليه خلافة الإنسان في الأرض قال تعالى : “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”[2] .

فالاختلاف والتعددية بين البشر قضية واقعية ، وآلية تعامل الإنسان مع هذه القضية هي الحوار الذي يتم من خلاله توظيف الاختلاف وترشيده بحيث يقود أطرافه إلى فريضة التعارف ، ويجّنبهم مخاطر جريمة الشقاق والتفرق. وإنما يعالج الحوار قضية الاختلاف من خلال كشفه عن مواطن الاتفاق ومثارات الاختلاف ؛ لتكون محل النقاش والجدل بالتي هي أحسن لمعرفة ما هو أقوم للجميع ؛ ولا بد ليؤدي الحوار وظيفته كما يجب أيضا من أن ينضبط بمنهج يضمن عدم تحوله إلى مثار جديد للاختلاف.

 وإذ أرشدنا القرآن إلى أنَّ الاختلاف حقيقة واقعية، ودعانا إلى التعامل مع هذه الحقيقة بالحوار، فما هو المنهج الذي رسمه القرآن والسنة لذلك؟ لقد اعتبر الإسلام الحوار قاعدته الأساسية في دعوته الناس إلى الإيمان بالله وعبادته ، وكذا في كل قضايا الخلاف بينه وبين أعدائه ، وكما أنه لا مقدسات في التفكير ،كذلك لا مقدسات في الحوار ، إذ لا يمكن أن يُغلق باب من أبواب المعرفة أمام الإنسان.

وقد أكَّدَ القرآن وكذلك السنة هذا المبدأ بطرق عديدة، وسأكتفي بالإشارة إلى بعض النماذج من القرآن و السنة النبوية المطهرة، دون ذكر الآيات والأحاديث الواردة بذلك طلبا للاختصار، لأن الآيات والأحاديث الواردة حول هذا الموضوع هي أكثر من أن تحصى ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى القرآن والسنة والسيرة النبوية، وإليك بعض النماذج : نماذج من القرآن الكريم عرض القرآن حوار الله مع خلقه بواسطة الرسل ، وكذا مع الملائكة ومع إبليس ، رغم أنه يمتلك القوة ويكفيه أن يكون له الأمر وعليهم الطاعة، وكذالك مع موسى عليه السلام ومع عيسى عليه السلام في الآخرة كما أنَّ دعوات الرسل كلها كانت محكومة بالحوار مع أقوامهم , وقد أطال القرآن في عرض كثير من إحداثيات هذه الحوارات بين الرسل وأقوامهم وأيضا حوار سليمان عليه السلام مع الهدهد والذي انتهى بإسلام ملكة سبأ ودولتها أضف إلى ذلك حوار الملائكة مع بعض الأنبياء كإبراهيم عليه السلام , ولوط عليه السلام وزكريا عليه السلام ومريم والأمثلة كثيرة جدا في القرآن الكريم. نماذج من السنة النبوية حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين كصلح الحديبية وكحواره مع عتبة بن عامر وسائر المشركين وأيضا مع اليهود ومع المنافقين ومع الأنصار ومع الملوك والوفود ومع زوجاته وأصحابه والأمثلة في السنة كثيرة جدا. وبعد أن عرفنا أهمية الحوار من الكتاب والسنة سأذكر أصول الحوار الناجح وآدابه لكن قد يفهم بعض الناس أن أصول الحوار وآدابه شيء واحد إلا أن هناك فرق جلي بينهما “فالأصول هي القواعد الرئيسية الثابتة التي تضبط مسار الحوار, أما الآداب فهي طريقة الحوار والقواعد السلوكية التي ينبغي مراعاتها قبل الحوار وأثنائه وبعده، والتي تساعد في نجاح الحوار .

وسأذكر أهم أصول الحوار وآدابه ومعوقاته دون تفصيلها، وتتمثل  أصول الحوار الناجح في إخلاص النية في الحوار. و  طلب الحق والتسليم بالنتائج ,وما يتمخض عن الحوار من حلول وحقائق، و البعد عن التعصب وعدم الغضب، والمصداقية و الأمانة، والالتزام بآداب الحوار، و البدء بالنقاط المتفق عليها.

أما  آداب الحوار الناجح فتتمثل في علاج أمر الخلاف بالحكمة وعدم إتاحة الفرصة للجدل المفضي إلى التنازع والشقاق، و أن يحسن كل واحد الاستماع إلى أخيه ورأيه.

السجين أحمد ولد الحضرامي المتابع بملف الإرهاب

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى