رأي

هل ينوي المسلم الغسل من الحيض عن زوجته الكتابية/ محمد الأمين آقه

تحقيق في هذه المسالة ان النية لا تقبل النيابة؛ وحيث وجدت النيابة فالعمل عار من النية .

لان النية هي الارادة المخصصة للعمل من حيث كونه يراد به وجه الله تعالى دون غيره؛

او من حيث كونها تخصص العمل بعبادة دون غيرها .

او من حيث كونها تميز العبادة عن العادة .

وهذا كله لا يتأتى الا من الفاعل المكلف بالفعل.

*****

وقبل الإجابة على السؤال المطروح أودّ بيان أقوال اهل العلم في “حكم إكراه الذمية على الغسل” :

 فالإمام ابو حنيفة يقول : ليس على المسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل ، لانه يرى ان الزوجة المسلمة والذمية على حد سواء تحل للزوج بمجرد انقطاع الدم.

والإمام الشافعي يرى ان يجبر المسلم زوجته الذمية على الغسل من الحيض والنفاس.

والامام مالك والامام احمد لهما روايتان في المسالة.

قال ابن مفلح في “المبدع في شرح المقنع” في ذكر الروايتين عن أحمد:

(“إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض” والنفاس على الاصح لأن إباحة الوطء تقف عليه؛ والثانية : لا تجبر على ذلك ؛ فعلى ذلك يطأ بدونه)

ويبين القرطبي في تفسيره الروايتين عن مالك فيقول:

(واختلف علماؤنا في الكتابية هل تجبر على الاغتسال أم لا؟

فقال مالك في رواية ابن القاسم : نعم ليحل الزوج وطؤها؛ قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن} يقول : بالماء ؛ ولم يخص مسلمة من غيرها .

وروى أشهب عن مالك أنها لا تجبر على الاغتسال من الحيض لأنها غير معتقدة لذلك ؛ ولقوله تعالى: {ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}؛ وهو الحيض والحمل ؛ وإنما خاطب الله عز وجل بذلك المؤمنات ؛ وقال : {لا إكراه في الدين})انتهى من تفسير القرطبي.

وقال ابن رشد في البيان والتحصيل :

(قال : وسألته عن اغتسال النصرانية من الحيضةأيجبرها عليه زوجها ؟

قال : ليس ذلك له.

قال محمد بن رشد : قوله في هذه الرواية : إن الرجل لا يجبر زوجته النصرانية على الاغتسال من الحيضة خلاف قوله في المدونة ان يجبرها على ذلك من أجل ان الحائض عنده لا توطأ إذا طهرت من الدم حتى تغتسل بالماء؛ والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في الكفار؛ هل هم مخاطبون بشرائع الإسلام ام لا ؛ لأن المسلم أمر ان لا يطأ من يجب عليها الغسل من الحيضة حتى تغتسل منها؛ فإذا كانت النصرانية لا يجب عليها الغسل منها على القول بأنها غير مخاطبة بذلك كانت في حكم من قد اغتسل وجاز لزوجها وطؤها فلم يكن له ان يجبرها على الاغتسال ؛ وإذا كان الغسل عليها واجبا منها على القول بأنها مخاطبة بالشرائع لم يكن للزوج ان يطأها حتى تغتسل كالمسلمة سواء فكان له ان يجبرها على الاغتسال.)انتهى.

*****

ومن لا يرى الاجبار يقول : يجوز للمسلم ان يطأ زوجته الذمية بعد انقضاء الدم ؛ ودون حاجة الى الغسل.

واما من يرى الاجبار فهو الذي يقول بان المسلم يتعين عليه ان ينتظر غسل زوجته الذمية لكن في هذه الحالة هل هي التي تنوي الغسل ؟

ام هو الذي ينويه عنها ؟

ام ان غسلها لا يحتاج الى النية ؟

إن اقوال المذاهب في المسالة تتفق على ان المسلم ليس عليه ان ينوي الغسل عن زوجته الذمية، وهذا بيانها :

١- مذهب المالكية :

سبق ان ذكرنا انه ورد عن مالك قولان :

-قول بمنع إكراه الذمية على الغسل

-وقول بجواز إكراهها.

وعلى القول بجواز إكراهها؛ فالمالكية يرون بأن غسلها لا يفتقر الى نية ..

وقد ذكر القرافي في “الذخيرة” كلاما بديعا قرر فيه ان غسل الذمية لا تشترط فيه النية لأنه من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف؛ فقال رحمه الله :

(والغسل من الحيض فيه لله تعالى خطابان : خطاب وضع من جهة انه شرط، وخطاب تكليف من جهة انه عبادة؛ والخطاب الثاني هو المحتاج الى النية ؛ فعدم النية يقدح فيه دون الأول ؛ فيبطل كون هذا الغسل(غسل الذمية) عبادة ويبقى كونه شرطا؛ ولا يلزم إباحة المسلمة إذا اغتسلت من غير نية لأنها مكلفة بخلاف الذمية )انتهى.

ويقرر ابن رشد في “البيان والتحصيل” قاعدة مهمة يستدل بها على عدم افتقار غسل الذمية الى النية؛ حيث يقول :

( فإن قيل ما فائدة إجبارها على الاغتسال و الغسل لا يجزيء عنده إلا بالنية و النصرانية لا تصح منها نية ؟

قيل : النية إنما تشترط في صحة الغسل للصلاة وأما للوطء في حق الزوج فلا؛ لأنه متعبد بذلك فيها مأمور باغتسالها قبل الوطء؛ وما كان من العبادات التي يفعلها المتعبد في غيره لم يفتقر في ذلك الى نية كغسل الميت وغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب فيه)انتهى.

ويبين القرافي في “الذخيرة” ان النية لا تقبل النيابة فيقول:

(نية الإنسان إنما تخصص فعله دون فعل غيره ، وغسل الذمية ليس فعل الزوج؛ فنيته له كنيته لصلاة غيره)انتهى.

٢- مذهب الحنابلة:

يرى الحنابلة -في إحدى الروايتين عن أحمد- ان الذمية تجبر على الاغتسال؛ لكنهم لا يقولون بأن الزوج ينوي عنها ؛ وإنما يقولون بأن النية تسقط للعذر..

– قال ابن مفلح في “المبدع في شرح المقنع”:

(غسل الذمية من الحيض لا يفتقر الى نية).

والعبارة نفسها عبر بها المرداوي في “الانصاف”.

وقال ايضا:

(ويصح منها الغسل بلا نية).

– وقال الحجاوي في متن الاقناع:

(ولا تجب النية ولا التسمية في غسل ذمية).

– وفي “حاشية اللّبدي على نيل المآرب” : (يصح غسلها من الحيض والنفاس بدون نية لحاجة زوجها)

وقال ابن النجار في “منتهى الإرادات” : (ويشترط لوضوء وغسل ولو مستحبين نية سوى غسل كتابية)

٣- مذهب الشافعية :

لشافعية في هذه المسالة قولان:

القول الاول : ان الذمية تغتسل وتحل لزوجها ؛ وتسقط النية للعذر.

قال النووي في المجموع:

(الذمية التي انقطع حيضها يحل لزوجها المسلم وطؤها بالإجماع اذا اغتسلت ولو وجبت النية لم تحل لأنها لا تصح منها.)..

وقال الروياني في بحر المذهب:

(قال بعض اصحابنا : يجوز وطؤها إذا اغتسلت بغير نية للضرورة كما يقول في المجنونة المسلمة وهذا أقيس عندي) .

القول الثاني : انها تغتسل وتحل لزوجها بشرط ان تنوي الغسل تمييزا له لا تعبدا به .

قال العمراني في “البيان في مذهب الامام الشافعي” :

(قال الشافعي : وينبغي ان يقال : ان الذمية اذا اغتسلت ولم تنو انه للحيض لم يستبح الزوج وطأها كالذمي إذا وجبت عليه الكفارة في الظاهر فأعتق من غير نية لم يجزئه وإن نوى العتق عن الظهار أجزأ عنه واستباح وطأ المظاهر منها).

وقال الروياني في بحر المذهب:

(لو أن الذمية اغتسلت ولم تنو انه للحيض ؛ قال بعض اصحابنا: لا يحل وطؤها كالمسلمة إذا لم تنو؛ فصح غسلها بنيتها لموضع الحاجة؛ وهذا كما يصح من الذمي العتق عن الكفارة بنية؛).

 وينفي إمام الحرمين ان تكون نية زوجها المسلم كافية عن نيتها؛ فيقول :

(ولم يصر أحد من أئمتنا إلى أن قيّمها يغسلها وينوي عنها ؛)نهاية المطلب في دراية المذهب (11/3).

*****

يتضح مماسبق ان لأهل العلم ثلاثة اقوال في المسالة :

القول الاول: انها تحل بمجرد انقطاع الدم ولا تحتاج الى الغسل ؛ وهو قول ابي حنيفة ورواية عن مالك واحمد.

القول الثاني : يجب على الزوج انتظار غسل زوجته الذمية وغسلها لا يحتاج الى النية؛ وهو قول المالكية والحنابلة واحد القولين عند الشافعية.

القول الثالث : يجب على الزوج انتظار غسل زوجته الذمية ؛ ويشترط لصحة الغسل ان تنويه الزوجة؛ وهذا أحد القولين عند الشافعية.

واما القول الرابع : وهو ان الزوج ينوي الغسل عن زوجته الذمية ؛ فهو في غاية البعد .

والله اعلم

محمد الامين ولد آقه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى