كتابنا

اتْكَسْكَادِي” بالفتاوى/ محمد الأمين آقه

اتْكَسْكَادي” او التفحيط هو ما يفعله بعض الشباب من قيادة السيارة بسرعة جنونية والانحراف بها يمينا ويسارا بطريقة استعراضية لاظهار مهارته في القيادة ولنيل إعجاب الجماهير الحاضرة ..

لكن عاقبته كثيرا ما تكون مأساوية حيث تنقلب السيارة وتقتل السائق وبعضَ الناس الحاضرين للمشهد.

وليست هذه الظاهرة حكرا على ميدان قيادة السيارات فقط؛ بل هي موجودة ايضا في ميدان الفتوى!

حيث يقوم بعض المفتين- سامحهم الله- بقيادة سيارة الفتوى في جميع الاتجاهات!

فتارة تتعارض فتاواه؛ وتارة ينسخ بعضها بعضا ؛ وتارة يرجح الشاذ ويهمل الراجح وتارة يخرق الإجماع،بحجة الاجتهاد والتحرر من قيود المذهب!

وتارة يفتي بالقول الضعيف بلا مبرر!

يحدث كل هذا سعيا الى التميز في الفتوى ورغبة في الإثارة وشد الانظار وجذب الجماهير !

  وكما ان الضرر حاصل من “اتْكَسْكَادي” في سياقة السيارات فهو حاصل أيضا في سياقة سيارة الفتوى!

فكم احدثت الفتاوى الغريبة من فتنة؟! وكم اثارت من بلبلة، وتركت الناس في حيرة؟!

وكم روجت من مذهب فاسد؟!

وكم فرقت من جماعة ؟!

فلا ريب -إذن- ان تكون معدودة ضمن عوامل هدم الدين..

وقد ورد في سنن الدارمي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم وجدال المنافق وأئمة مضلون).

وقال ابن عباس : ويل للاتباع من عثرات العالم.

وقد قيل : زلة العالم كالسفينة تغرق ويغرق معها خلق كثير.

وقد حذر منها معاذ رضي الله عنه فقال :

“وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق قيل : كيف نعرف زيغة الحكيم؟ قال : اجتنب من كلامه المشتهرات التي يقال : ماهذه؟”رواه أبو داود.

واكثر ما يعم الضرر من الفتاوى الغريبة حين تكون من طرف المفتي الرسمي لدولة ما او من طرف المفتي الرسمي لجماعة ما ؛لأن انصار الجماعة يروجون قوله وينشرونه بين الناس.

وهذا النوع من الفتاوى الغريبة التي تهدم الدين ينبغي للمسلمين التصدي لها ورفضها ومنع انتشارها..والإنكار على المفتي الذي اصدرها..بلا مجاملة.

وقد كان علي بن المديني يروي الحديث عن ابيه بلا مجاملة فيحدث عنه ثم يقول : “وفي حديث الشيخ ما فيه” يشير الى ضعفه.

إن مجاملة المفتي بالفتاوى غير المنضبطة اصبحت ظاهرة عامة لاسيما إذا كان مشهورا ومعروفا؛ فقلما يجد من الفقهاء من ينكر فتواه او يردها عليه؛ واحسنهم حالا من يسكت عنها مع وضوح ما فيها من خلل؛ وهذه مجاملة على حساب الدين!

فمن واجب أهل العلم الاحتساب على الفتوى والتحذير من الفتاوى غير المنضبطة بالشرع، والتحذير من كل مفت تكرر منه صدورها.

وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية يحتسب على الفتوى وينكر أخطاء المفتين؛ قال ابن القيم في “اعلام الموقعين” :

(وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الانكار على هؤلاء؛ فسمعته يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلت محتسبا على الفتوى؟!

فقلت له : يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟!).

وقد نص العلماء على ان المفتي الماجن يحجر عليه..ويمنع من الفتوى ..

قال في “ملتقى الابحر” :

(ويحجر على المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس اتفاقا) اهـ

ويعرّف الزبيدي في “الجوهرة النيرة” المفتي الماجن فيقول:

(والمفتي الماجن هو الذي يعلم الناس حيلا باطلة كارتداد المراة لتفارق زوجها او الرجل ليسقط الزكاة ولا يبالي ان يحلل حراما او يحرم حلالا )اهـ

وقد ذكر صاحب “خلاصة الأثر في اعيان القرن الحادي عشر” ان شيخ الاسلام يحيا ابن زكريا حين كان قاضيا بالشام منع المحدث الفقيه المفتي الداودي الشافعي من الافتاء وقال له “لا تكتب على الفتوى بعد اليوم “

بسبب محاباته لبعض اصهاره في خصومة.

فغضب الداودي ومرض وتوفي بعد ذلك.

ولم يقتصر الامر على مجرد المنع من الفتوى بل إن بعض العلماء طالب بعقوبة هؤلاء المتلاعبين من المفتين.

قال ربيعة الراي -شيخ مالك- : لبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السراق!!

وقال محمد بن احمد العقباني التلمساني في “تحفة الناظر” :

(فواجب على كل من ملّكه الله تعالى القبض على مثل هؤلاء وإرهاقهم العقوبة الشديدة والتنكيل المبرح فإن فتنة هؤلاء في الامة أشد من فتنة الجوع والخوف وتخريب البلاد ونهب النفوس والاموال؛ وذلك ان من هلك منا فإلى رحمة الله تعالى وكريم عفوه؛ ومن هلك دينه فإلى لعنة الله وعظيم سخطه ومقته) اهـ.

ان سد الباب أمام التلاعب بالفتوى هو الذي جعل فقهاء المالكية ينصّون على انه لا ينبغي الإفتاء بغير المشهور .

وقد نقل الونشريسي في المعيار عن المازري شيخ المحققين في إفريقية قوله :

(ولست أحمل الناس على غير المشهور من قول العلماء لان الورع قلّ بل كاد يعدم والتحفظ على الديانات كذلك؛ وكثرت الشهوات؛ وكثر من يدعي العلم والتجاسر على الفتوى ولو فتح لهؤلاء باب مخالفة المشهور من المذهب لاتسع الخرق على الراقع وهتكوا حجاب هيبة الدين وهذا من المفسدات التي لا خفاء فيها)اهـ.

وإذا لم نطالب بالحجر على المتلاعبين بالفتوى او معاقبتهم فلا أقل من التنبيه على موضع الخلل وتحذير الناس من اتّباع الزلل.

وفي الاخير: نسال الله تعالى ان يحفظ العلماء المخلصين القائمين بالحق وان يحفظ بهم الدين، ويجزيهم خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين.

محمد الامين ولد آقه

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى