كتابنا

القرضاوي رحمه الله “ما دار شي فَيْدِينَ ” !/, محمد الأمين آقه

كتب القرضاوي رحمه الله مقالا عن حديث “تفرق الامة” المشهور ..

أراد الشيخ – مستعينا بضعف مستوى قرائه- ان يقرر ضعف هذا الحديث العظيم ؛وان يظهر فيه ما توهمه من إشكال في المعنى ..!!

تحدث الشيخ عن امور يعتبرها “أدلة” في ظنه!!

و الشيخ-في استدلالاته- دائما يتمسك بقشة مغلفة بعبارات فخمة ؛ فيظن من لا خبرة له أنها “وجبة دسمة” !!

لست من المؤيدين لظاهرة “الحديث عن المستوى العلمي للشيوخ” لانها مسالة تعتمد على الظن والتقييم الشخصي وتؤدي في النهاية الى الجدل والاختلاف..ولانها مثيرة لفيروس (التعصب للأشخاص) الذي لم يكتشف له لقاح بعد !

لكنني قد اضطر الى ذلك في بعض الحالات..

الدكتور القرضاوي رحمه الله – مع ما يحسنه من مجالات شرعية وما منحه الله من مواهب ادبية- ليس من أهل الاختصاص في الحديث ..

لا هو ادعى لنفسه ذلك ؛ ولا كتاباته وخطبه دالة على ذلك؛ ولا رسالة تخرجه لها علاقة بذلك..

ولا المدرسة التي درس فيها كونته على ذلك !!

فالشيخ القرضاوي درس في الأزهر ،وقد قال الشيخ المحدث أحمد معبد عبدالكريم: (إن دراسة الاسانيد لم تدخل الازهر الا في زمن أحمد الطيب عندما اصبح رئيسا للجامعة)؛ اي: بعد عقدين او ثلاثة من تخرج القرضاوي من الأزهر! .

ومن قرأ تعليقات الالباني رحمه الله على كتاب “الحلال والحرام” للقرضاوي رحمه الله يعحب من كثرة استشهاده بالأحاديث الضعيفة؛ وفي ذلك دليل على محدودية خبرته في علم الحديث!

 وإذا كان الامر كذلك فمن الجرأة المنافية للمنهج العلمي ان يعمد القرضاوي الى تضعيف حديث اتفق علماء الحديث المعاصرون له على تصحيحه؛اعتمادا منه على اقوال منافية للتحقيق هي اقرب ما تكون للسقطات العلمية!

****

لقد قرأتُ الكثير من كتابات القرضاوي ؛ ومن الملاحظات التي أخذتها عليه -في استدلالاته- انه يرى ويعتقد قبل ان يستدل!

اي انه جعل الاستدلال وسيلة لإثبات رايه؛ لا وسيلة لإظهار الصواب!!

فإذا كان الحديث موافقا لرأيه قرره وعمل به ودعى اليه؛ لأنه بالنسبة له في هذه الحالة :” الاّ لْبَنْ أُوجْهْ الرْسُولْ” !

وأما إذا كان الحديث مخالفا لرأيه؛ فويل للحديث من التأويل إن سلم من الإعدام بعد محاكمة سريعة!!

مثل رده لحديث (لن يفلح قوم ولوا امرهم امراة) وحديث (من بدل

ينه فافتلوه) وحديث (لا يقتل مسلم بكافر) وحديث (إني لا أصافح النساء).!

 ومن رد مثل هذه الأحاديث او اوّلها لا يستغرب منه محاولة الطعن في حديث الفرق.

قبيح بالمنتسب الى العلم الشرعي ان يجعل من عقله ورأيه مكنسة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : كلما خالف حديث رأيه رمى به في سلة المهملات !!

******

ومن الملاحظ ايضا ان الشيخ دائما يحاول تقوية رايه بغثاء من الأدلة يتبخر أمام اول نظرة فاحصة؛ ومن أمثلة ذلك قوله -في المقال الذي بين ايدينا- بان حديث الفرق لم يخرجه البخاري ومسلم!!

وكان من شرط الصحيح ان يكون مخرجا في البخاري ومسلم!!

وهذه وقفات مع بعض استدلالاته:

قوله :(إن بعض روايات الحديث لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة)،

يرد عليه كلام العلماء المختصين في الحديث الذين قالوا بان هذه الرواية وردت من عدة طرق صحيحة فقد قال

  العراقي في ” تخريج الإحياء ” :

” رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، وأبو داود من حديث معاوية،

وابن ماجه من حديث أنس وعوف بن مالك، وأسانيدها جياد “.

وقال الالباني:( ولحديث أنس طرق كثيرة جدا تجمع عندي منها سبعة، وفيها كلها الزيادة المشار إليها،).

ورواية محمد بن عمرو بن علقمة عند الترمذي التي أراد القرضاوي ان يجعلها كبش فداء تتمنّع على مراده !

فهي تتقوى بالروايات الاخرى التي تجاهلهاو؛

اذا كان محمد ابن عمرو صدوقا له اوهام ووجدنا من تابعه على هذا الحديث أنقول بانه وهِمَ؟

ام نقول بأنه حفِظَ ؟

إن التعصب للرأي يعمي عن الحقائق التي يبصرها العميان!!!

****

واما قوله بان بقية روايات الحديث الاخرى ضعيفة كلها ، فلن يقول ذلك الا من جهل حالها او تعمد تضعيفها لحاجة في نفسه !!

على أن في الامر مراوغة لا تخفى !!

فالروايات التي اجمل الشيخ الكلام في تضعيفها؛ اقوى سندا من رواية الترمذي التي استفاض في الحديث عنها !!

لماذا لم يتحدث بتفصيل عن رواية عوف بن مالك عند ابن ماجه؟

ولماذا لم يتحدث عن رواية انس الواردة من عدة طرق؟

هذا الصنيع فيه تدليس شنيع!! يوهم القاريء الذي لا علم له بالحديث ان من صحح الحديث صححه اعتمادا على رواية الترمذي وان بقية الروايات لا تسمن ولا تغني من جوع ..!!

وقد ورد في كلام الشيخ مغالطة أخرى ؛ وهي انه استدل بإيراد ابن كثير للحديث وعدم التصريح بصحته على انه لا يقول بتصحيحه !

وهذا بعيد جدا !!

بل إن ابن كثير اورد الحديث مستشهدا به ومقرا له وهذا يدل على انه يرى صحته ..

وهذا نص كلام ابن كثير في تفسيره:

((وقوله: ﴿أو يلبسكم شيعا﴾ أي: يجعلكم ملتبسين شيعا فرقا متخالفين. قال الوالبي، عن ابن عباس: يعني: الأهواء وكذا قال مجاهد وغير واحد.

وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه ﷺ أنه قال: “وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة”.))انتهى.

*****

لكن من المهم ان نعلم ان ضعف الأسناد ليس هو السبب الذي جعل الشيخ القرضاوي يتبنى ضعف الحديث؛بل إن المشكلة الاساسية تكمن عنده في الاشكال الذي نشأ عنده من معنى هذا الحديث؛ فهو يصحح الاحاديث التي يقبل معناها بإسناد أضعف من هذا!

وهذه الجملة من كلامه تبين ذلك حيث قال :

(وهنا إشكال أي إشكال في الحكم بافتراق الأمة أكثر مما افترق اليهود والنصارى من ناحية، وبأن هذه الفرق كلها هالكة وفي النار إلا واحدة منها)..

الحديث إذن مشكل في معناه بالنسبة للشيخ، وهذا ما جعله يرفض الاسانيد الصحيحة لهذا الحديث ..

وهذا الاشكال ناتج عن عدم اطلاعه على كل روايات الحديث، ولو انه اطلع عليها لوجد فيها ما يدفع هذا الاشكال.

حيث انه ورد في بعض الروايات في وصف الفرقة الناجية (وهي السواد الأعظم)؛ وفي بعض الروايات: (وهي الجماعة)..

ولهذا لما سئل شيخ الاسلام بن تيمية عن هذا الحديث أجاب بعلم وأثبت الحديث وفسره تفسيرا يتفق مع الروايات الصحيحة ويرفع الاشكال الذي توهمه الكثيرون حيث قال :

(( الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند؛ كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم ولفظه {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة} وفي لفظ {على ثلاث وسبعين ملة} وفي رواية {قالوا: يا رسول الله من الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} وفي رواية قال {هي الجماعة يد الله على الجماعة} . ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم.

وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية فضلا عن أن تكون بقدرها بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة. وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع. فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة.))مجموع الفتاوى (3/ 345).

والاشكال المتوهم في الحديث ايضا هو الذي جعل ابن الوزير يميل الى تضعيفه!

وقد صرح القرضاوي نفسه بذلك فقال

(ولهذا طعن العلامة ابن الوزير في الحديث عامة، وفي هذه الزيادة خاصة، لما تؤدي إليه من تضليل الأمة بعضها لبعض، بل تكفيرها بعضها لبعض).

واما تضعيف ابن حزم للحديث؛ فمن المعلوم ان لابن حزم شذوذات في تضعيف الاحاديث الصحيحة لم يوافقه عليها اهل العلم بالحديث ومنها حديث المعازف في البخاري ؛ وهذا هو ما جعل العراقي يحذر من قوله حيث قال :

وإن يكن أول الاسناد حذف**

 مع صيغة الجزم فتعليقا عرف

ولو إلى آخره أما الذي**

 لشيخه عزا بقال فكذي

عنعنة كخبر المعازف**

 لا تصغ لابن حزم المخالف

ولو كان العراقي بيننا اليوم لحذرنا ايضا من تضعيف ابن حزم لحديث الفرق وقال :

لا تصغ لابن حزم المخالف.

وكذلك الذهبي قال عن ابن حزم :

(ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل) سير أعلام النبلاء ط الحديث (13/ 381

واما القول بان ابن حزم حَكَم على الحديث بانه موضوع فهذا كذب عليه..

ومن زعم ان الحديث موضوع فقد أبعد النجعة..!

 وقد تكلم العلماءعن الروايات الموضوعة في هذا الحديث وميزوها من الصحيحة؛ ولم يبق بينهما لبس فنصوا على ان الرواية التي ورد فيها “قيل من هم ؟ قال : الزنادقة والقدرية” هي الموضوعة

 و لكن البعض يعجبه ان يبقى الامر ملتبسا حتى لا يحكم على اي رواية بالصحة !!

وقد كان من عادة القرضاوي انه لا يترك صغيرة ولا كبيرة تعينه في تقوية رأيه الا استدل بها ولم نجده استدل في تضعيفه للحديث الا بقول ابن الوزير وابن حزم والشوكاني؛ ولو وجد غيرهم لما توانى في ذكره؛ فيمكن ان نقول مطمئنين بان الحديث لم يقل بتضعيفه غير هؤلاء الثلاثة .

على ان الشوكاني ايضا “في الفوائد المجموعة” ذكر الحديث بزيادة “كلها في النار ” ثم قال : (قال في المقاصد : حسن صحيح) وهذا يدل على ان له رأيين في المسالة اوانه متردد فيها.

 اخيرا :

فالذي عليه اهل العلم بالحديث -خلافا لمن شذ- ان هذا الحديث صحيح من ناحية السند؛ ولا إشكال فيه من ناحية المعنى؛ وان الواقع يصدقه ؛ وانه علامة من علامات النبوة حيث حدث ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

 وانه ورد في معرض التحذير من الاختلاف والحث على التمسك بالسنة.

فينبغي الإيمان به والتصديق به والعمل بمقتضاه ؛ والاعراض عن الآراء والافكار التي لم تستضيء بنور العلم .

رحم الله الشيخ القرضاوي وغفر لنا وله.

محمد الامين ولد آقه

.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى