مقابلات

ولد طالبنا: الملفات الحقوقية شهدت تحسنا كبيرا بعد طرد السفارة الإسرائيلية في 2009

اعتبر رئيس حزب الاصلاح، عضو مجلس النواب الموريتاني المحامي محمد طالبنا الى ان موريتانيا تدفع اليوم ثمن قطع علاقاتها مع اسرائيل عبر المنظمات الحقوقية الغربية رغم ان الملف الحقوقي شهد اصلاحات جذرية في الفترة التي اعقبت قطع العلاقات مع اسرائيل لا سيما حيال ملف «العبودية».

و اتهم ايران بالسعي لتفكيك المجتمع الموريتاني عبر ما اسماه «الاستثمار» في اختلافات الهوية الفرعية بين الموريتانيين العرب وبين الموريتانيين الافارقة عبر التبشير بالتشيع الايراني القائم على كراهية العرب.

واشار طالبنا في حوار لـ«الأيام» على هامش مشاركته في المنتدى العربي الاول لحقوق الانسان والذي نظمته الفيدرالية العربية لحقوق الانسان تحت عنوان «التهديدات الايرانية للأمن والانسان العربي – لا حقوق بلا امن» الى ان محاصرة النفوذ الايراني في الوطن العربي بشكل عام وفي موريتانيا بشكل خاص يحتاج استراتيجية موجهة للشعوب وليس في اطار الانظمة الرسمية.

واعتبر طالبنا المعروف بـ«محامي الشعب» في البرلمان الموريتاني ان سفارة ايران في نواكشوط اكثر خطرا على موريتانيا من سفارة اسرائيل – التي قطعت بلاده العلاقات معها منذ العام 2009 – باعتبار ان السفير الاسرائيلي كان يعيش عزلة داخل موريتانيا فيما تستخدم ايران «يافطة» الدين والمقاومة والممانعة كـ«جواز مرور» لتتوغل داخل المجتمعات لتحرقها عبر ابنائها.

وفيما يلي نص المقابلة:

] كيف ترون مشاركتكم في المنتدى العربي الاول لحقوق الانسان والذي تناول التهديدات الايرانية للأمن والانسان العربي؟
– جاءت مشاركتي بدعوة من البرلماني البحريني جمال بوحسن، وذلك من اجل التعاون لخلق جبهة عربية لمناهضة الاختراق الايراني واطماعه التوسعية في الوطن العربي، هذه المبادرة البرلمانية العربية لمواجهة الاختراق الايراني للوطن العربي ودعم المبادرات الرسمية في ذات الاتجاه.

] هل تعتقد أن مثل هذه المبادرات قادرة على خلق جبهة عربية حقيقية للتصدي للمشروع الإيراني؟
– نعم، اليوم اصبح دور الخطاب الرسمي للحكومات محدودا، بل اصبح التأثير اكبر عبر الخطاب الشعبي، ثم لا ننسى ان الايرانيين كي يخترقوا الساحة العربية اتجهوا لاستخدام خطابا يلامس الشعوب وليس الحكومات، ومنه الخطاب الديني، والمذهبي، وخطاب المقاومة، وهذه الخطابات نجحت بدغدغة مشاعر شعوب عربية والتوغل في مجتمعاتها، لذلك الرد يجب ان يكون عبر العمل الشعبي.

] في منتصف العام الماضي طالبت الرئيس الموريتاني بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران والتي وصفتها بـ«البغيضة» هل حقًا ايران تشكل تهديدًا حقيقيًا على وحدة وامن موريتانيا؟ هل تستطيع ايران وهي التي تطرح نفسها كـ«فاتيكان» للتشيع «الفارسي» أن تجد بيئة حاضنة في بلد بعيد عن المنطقة وسكانه على مذهب اهل السنة والجماعة؟
– نعم موريتانيا تشكل ابعد نقطة جغرافية في الوطن العربي، لكن ذلك لا يعني ان ايران لم تصنع جبهة احزاب تتولى هي دعمها وتمويلها من اجل انجاحها في الانتخابات كي تتمكن من تنفيذ اجندتها عبر هذه الاحزاب، دائما استخدم مصطلح «أطماع ايران الخرافية» فحتى موريتانيا لم تسلم منها رغم البعد الجغرافي، وهناك تغلغل ايراني داخل المجتمع الموريتاني عبر استخدام خطابات متعددة، منها الخطاب الديني المدعوم بالمال، والعزف على وتر الفقر لدى شرائح من المجتمع التي تجد امامها شخصًا ملتحيًا يحدّثها بالدين وفي نفس الوقت يغدق عليها المال، وهناك ايضا خطاب موجه للموريتانيين الذين كانوا في السابق يعرفون بـ«العبيد» عبر الاستثمار في حالة التناقض الاجتماعي، حيث تنسب ايران معاملتهم في السابق كـ«عبيد» لأحكام الشريعة القديمة -التي لم تعد اصلا قائمة- لتطرح التشيع الايراني كمنقذ ومنصف لهم،

وتتولى ترتيب زيارتهم الى «قـم» واحلال عقيدة قائمة على كراهية الصحابة من جانب وكراهية كل ما هو عربي، وقد نجحت ايران في خلق «حوزات استخباراتية» في العاصمة «نواكشوط» وبعض المناطق تعمل على نشر التشيع الايراني القائم على حقد قومي، بالطبع ليس لدينا اشكالية مع المذهب الشيعي – كمذهب ديني – وهناك شيعة عرب يدركون تمامًا ان ما تبشر به ايران هو مذهب ايراني لخدمة مشروع سياسي فارسي تتوغل ايران داخل شريحة مجتمعية وهم الموريتانيون الافارقة «السود» وتدعوهم لإسلام قائم على احتقار العرب، واحتقار اللغة العربية التي انزل فيها القرآن الكريم، ايضا هناك خطاب موجه لاتباع الطرق الصوفية لتطرح ايران التشيع الايراني كحليف للصوفية ضد الوهابية، ايضا ايران تستخدم ورقة البعثات الدراسية كعامل اغراء امام الشباب غير القادرين على اكمال دراستهم الجامعية على نفقتهم، اما الاحزاب القومية واليسارية فتخصص لها ايران خطاب المقاومة وتطرح نفسها ايران كزعيم لتيار الممانعة، لذلك ايران تريد ان تكون موريتانيا خاصرة رخوه للوطن العربي.

] دعني استخدم كما يقال دور «محامي الشيطان» وأطرح هذا التساؤل، لماذا لم تكن سفارة اسرائيل في موريتانيا تقلقكم كما تقلقكم اليوم علاقات بلادكم مع ايران؟ مع الاخذ بالاعتبار ان اسرائيل ايضا ذهبت لأبعد نقطة في الوطن العربي وهي موريتانيا كما تفعل اليوم ايران؟
– نعم كان لدينا سفارة إسرائيلية وقد قمنا بهدمها في العام 2008 ولطالما كنت ومازلت ضد التطبيع مع اسرائيل، ولكن لو سألتني ايهما اخطر على موريتانيا اسرائيل ام ايران سأقول ايران! فقد كانت لدينا سفارة وسفير اسرائيلي لكنه كان يعيش حالة عزلة اجتماعية وثقافية ودينية، ولا يستطيع ان يخترق او يتغلغل داخل المجتمع الموريتاني لأنه ببساطة لا يستطيع ان يرفع «يافطة» الدين والممانعة والمقاومة كما يفعل الايرانيون كـ«جواز مرور» للتوغل داخل المجتمع الموريتاني، لقد طردنا الإسرائيليين وبعدها بشهرين اتينا بإيران!

وهناك مفارقة حقيقية، ففي الوقت الذي تهدم فيه ايران بنيان المجتمع الموريتاني عبر الاستثمار بهويات فرعية ضيقة سعيا لسلخه عن هويته العربية الجامعة، كانت إسرائيل حريصة على عروبة موريتانيا، بالطبع ليست محبة بالعرب والعروبة وانما كي تزايد بنا في المحافل الدولية بأن لديها علاقات طيبة مع دولة عربية اسمها موريتانيا، لذلك اليوم الخطر الايراني على وحدة وعروبة أي بلد عربي اكثر من اسرائيل لان اسرائيل لا تملك الاوراق التي تمكنها من التوغل داخل المجتمعات لان هناك حالة رفض نفسي قبل الرفض السياسي لكل ما هو اسرائيلي، فيما ايران تدخل عبر «بوابة» الدين والاستثمار بكراهية المجتمعات العربية لإسرائيل لتمرير مشروع ايراني لا يحتل الارض فحسب بل يسلخ الهوية والعقيدة ويصنع بؤر كراهية في المجتمع الواحد.

] بتقديركم، الى أي مدى نجحت ايران في القارة الافريقية اذا اخذنا في الاعتبار الاستثمارات الايرانية المشبوهة في دول مثل ساحل العاج وسيراليون؟
– بالتأكيد ايران تستخدم استراتيجية ناجحة بالتعاطي مع مشروعها في افريقيا، فهي ترفع بيد»كرت«الاستثمار وشراء الاراضي وغسل الاموال عبر اتباعها من عناصر حزب الله اللبنانيين وباليد الاخرى نشر التشيع «الايراني» وهناك مراكز تشيع ايراني في السنغال نجح باستقطاب اكثر من 70 الف سنغالي نحو التشيع الايراني، لقد حققت ايران نجاحات في القارة الافريقية، وهذه النجاحات تستخدمها ايران في تقوية موقفها التفاوضي في مناوراتها الدولية، ايران اليوم لا تتحدث عبر مساحة ايران على الخارطة بل عبر خارطة مناطق النفوذ لديها حول العالم، والفرق بين الايرانيين وبين العمل العربي هو ان العمل العربي يقتصر على العلاقات مع الانظمة الرسمية، لكن ايران تدخل الى المجتمع المدني في أي بلد وتتعرف على خارطة الاحزاب فيها وتصنع مع بعضها ارضيات مشتركة وتدعمها ضد الاخرى وتستثمر في الخلافات والاختلافات بين افراد المجتمع الواحد ثم تحارب النظام الرسمي في هذه الدولة عبر ابنائه، ايران تحرق الاوطان عبر ابنائها!.

] كانت لموريتانيا علاقات متميزة مع العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وفي نفس الوقت كانت علاقاتكم مقطوعة مع إيران، برأيكم ما الذي فتح الباب في موريتانيا أمام الإيرانيين؟
– نعم كان هناك ترابط قومي مع العراق في عهد الرئيس صدام حسين، ولا ننسى موقف العراق المشرف من موريتانيا خلال حربها مع السنغال في العام 1989، لكن موريتانيا قطعت علاقاتها مع ايران في العام 1986 ليس بسبب علاقاتها مع العراق ولكن بعد الاعتداءات الايرانية المتكررة على ناقلات النفط الكويتية، اما عودة العلاقات الموريتانية مع ايران فقد جاءت ضمن ظروف سياسية استثنائية في العام 2009، كان النظام قد جاء بانقلاب عسكري وكان ينقصه بعض الشرعية الدبلوماسية، وكان حينها يترأس الاتحاد الافريقي الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وحينها كانت تعيش موريتانيا حالة من الحصار الافريقي، وقد وضعت شروطًا عليها بأن تقطع العلاقات مع اسرائيل وتعيد العلاقات مع ايران في هذه الظروف السياسية، اليوم موريتانيا تراس العمل العربي المشترك ولديها موقف داعم لعاصفة الحزم وجميع المبادرات العربية الرسمية،

وكذلك تصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية، وعندما طالبت بقطع العلاقات البغيضة مع ايران كان هناك تفاعل كبير مع الحملة التي اطلقناها وشكلنا لجنة شعبية لدعم «عاصفة الحزم» في المقابل تمكنت ايران من دعم احزاب محسوبة عليها وبات لديها اتباع داخل موريتانيا يقومون بتحركات شعبية ضد كل ما يتعارض مع مشروع ايران، ومنها على وجه المثال تحركات تضامنية مع ما تسميه ايران محور المقاومة، وآخر للتضامن مع ما تسميه ايران «يوم التضامن مع البحرين» وكأن البحرين تحت الاحتلال، وهذه التحركات جميعها مدعومة من ايران، لكن بالنهاية نحن نؤمن ان محاصرة النفوذ الايراني في الوطن العربي يجب ان يكون تحركا عربيا يعمل ضمن استراتيجية، ومحاصرة النفوذ الايراني في موريتانيا على وجه الخصوص يحتاج ايضا لوجود عربي على خارطة كافة الجوانب سواء الاقتصادية او الثقافية، وهذه الاستراتيجية بالتعاطي مع الساحات التي تستهدفها ايران ومنها موريتانيا للاسف مفقودة.

] برأيكم هل دفعت موريتانيا ثمنًا سياسيًا نظير قطع علاقاتها مع إسرائيل؟
– دعيني اعود للوراء، بعد ازمة موريتانيا مع السنغال واجهت موريتانيا خطر الحرب الاهلية بسبب الافارقة الذين تلقوا دعما من السنغال واقاموا تجمعات عسكرية وتحركات سعيا لتفكيك موريتانيا، وفي ذات الوقت كانت المنظمات الدولية تتخذ موقفا داعما لها بحجة ملف العبيد، بعدها اتجه النظام السابق بقيادة الرئيس معاوية ولد احمد الطايع لاقامة علاقات مع اسرائيل، وخلال تلك الفترة لم نعد نسمع من الغرب انتقادات حيال الملف الحقوقي في موريتانيا، بعد غلق السفارة الاسرائيلية قامت موريتانيا بعدة اصلاحات داخلية وادرجت العبودية كجريمة ضد الانسانية في دستور البلاد، ووضعت محاكم خاصة لهذه الجريمة، وتم اعادة الافارقة الذين رحلوا الى السنغال ومنحت لهم الجنسية، ومع ذلك جميع المنظمات الحقوقية الغربية تهاجم اليوم موريتانيا ويتم استقبال المتطرفين في الغرب وتمنح لهم الجوائز علما ان ملف موريتانيا الحقوقي بات افضل بملايين المرات مما كان عليه في السابق لكن الفرق ان سفارة اسرائيل لم تعد موجودة في «نواكشوط» إلا انه وبالنهاية قطع العلاقات مع اسرائيل كان ارادة شعبية وما تتعرض له موريتانيا هو ثمن هذه الارادة التي نعتز بها.

] تلقب بـ«محامي الشعب» في موريتانيا، ما هي أولويات محمد طالبنا «المحامي» حيال الملف الحقوقي في موريتانيا؟
– هذا اللقب منح لي من قبل زملائي البرلمانيين كـ«محامٍ للشعب داخل البرلمان» الموريتاني، ونتمنى ان نكون على قدر هذه المسؤولية. وبالنسبة لحقوق الانسان توجهنا نحو خطوات كبيرة بالتعامل مع ملف العبودية وقد نجحنا في عدة مواقع بما يعبر عن طموحات الشعب، وكذلك تقدمت بمبادرة امام البرلمان لحماية اللغة العربية ضمن جهودنا لحماية هوية موريتانيا، كذلك ركزنا على مواضيع العدالة الاجتماعية بما يتعلق بملف العبودية وقد حققنا خطوات كبيرة بهذا الاتجاه ونجحنا باستقطاب اتباع الحركة الانعتاقية «حركة ايرا» والعمل سويًا من اجل تحقيق ما يلبي طموحات الناس.

] هل تعرّضتم للاعتداء نتيجة لمواقفكم؟
– لطالما واجهت تصادمًا مع المجموعة الفرنكوفونية والمجموعات الموالية لإيران، ودائمًا اتعرّض للسب والشتم من قبلهم وللاتهامات، لكن الحمد لله أنا مؤمن بالله وأحب بلدي وأشعر براحة الضمير.

] كيف تقرأ تحديات حقوق الإنسان اليوم في موريتانيا؟
– اعتقد ان الوضع الحقوقي في موريتانيا اليوم مقارنة بأوضاع حقوق الانسان في دول عربية كثيرة ليس بالأسوأ، لا يوجد سجين سياسي واحد في موريتانيا، وكذلك تتصدر حرية الاعلام السياسي لآخر خمسة اعوام بحسب تقارير دولية، كذلك حرية الاحزاب واليوم يوجد فيها اكثر من 100 حزب سياسي، كذلك في مجال الارث الانساني تحقق تقدمًا كبيرًا في ملف العبودية».

المصدر: صحيفه الايام

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى