المستعرضغرافيتي

الجنرال المتصوف.. “الغزواني” بين اللسان والسوط والسيف

رؤيا بوست: امضى النقيب وحدة الدروع المصطفى ولد الشيباني كامل حياته العسكرية منذ تخرجه وحتى إقالته من الجيش بعد انقلاب 2003 تحت إمرة اللواء الركن محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، وقد خص المصطفى -وهو حاليا يرأس حزب السلفيين “تاج” قيد الترخيص-رؤيا بوست بحوار تركز اساسا حول شهادته عن الحياة المهنية العسكرية لقائد اركان الجيش الموريتاني ،  قائلا بأنه من الشخصيات النادرة التي تجتمع في ذكرها أوصاف القوة والزهد، مع الذكر الطيّب والأخلاق العالية.

متحدثا عن المزايا الشخصية لقائد الأركان العامة للجيوش في ظل التكهنات حول إمكانية قبوله الترشح لرئاسيات 2019 خلفا للرئيس محمد ولد عبد العزيز.

 حيث وصف نفسه بأنه كان من اقرب الضباط إليه، وأن الانقلاب وقع في 2003 عندما كان ولد الغزواني في دورة تكوين بالمملكة الأردنية رغم أن قناعاته حول ضرورة الإطاحة بنظام ولد الطائع لم تكن لتتزحزح وفق تعبير ولد الشيباني.

المصطفى ولد الشيباني

روى لنا كيف تعامل ولد الغزواني مع حادثة الفأس، وتحدث عنه في الميدان بعد المناورات التي اجريت على الحدود إبان التوتر مع الجارة الشرقية جمهورية مالي التي بدأ جيشها يخترق المناطق الحدودية و يضايق المنمين الموريتانيين بشكل مستفز ويصادر ماشيتهم.

وتحدث عن تعامل ولد الغزواني مع الأفراد كقائد ومرشد روحي قبل أن يكون آمرا للكتيبة، وعن طبيعته.. تكوينه.. تدريبه.. نفسيته.. خبايا شخصيته الغامضة…

عملت معه طيلة خدمتي العسكرية

يقول ولد الشيباني:”..تخرجت متفوقا من المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار حيث كنت الثالث على الدفعة وعلى ذلك الاساس تم توجيهي اختياريا 1992 وكان حينها هو القائد ومؤسس كتيبة الدروع التي تأسست إثر احداث 1989 بدعم  المساعدات السخية من الجيش العراقي إبان حكم الزعيم الراحل صدام حسين الذي كان سخيا في دعم الجيش الموريتاني إبان الأزمة كما هو معلوم.

خدمة منذ تلك الفترة بكتيبة الدروع تحت إمرة الفريق  ولد الغزواني وافترقنا عندما تم إيفاده لزيادة الخبرة في الأردن 2003 وشاركت في المحاولة الانقلابية.

طيلة خدمتي كنت اعمل تحت إمرته في كتيبة المدرعاتBB،  وبعد عودته تم تعيينه في قيادة المكتب الثاني في قيادة الأركان، من ملازم وحتى نقيب جميع الرتب حصلت عليها تحت إمرته. .

 خلال فترة خدمتي تتكشف لي يوما بعد يوم شخصيته الفذة، و التي ليست بالبساطة التي يمكن تصورها، فلا يمكن الإحاطة به كرجل عادي، أو كقائد عسكري، فجانبه الإنساني لا يمكن أن ينفصل عن جانبه العسكري، حيث انه لم يكن رهينا للثقافة العسكرية الخشنة، وتمتع ببعد اخلاقي وفكر وثقافة.

فهو سليل أسرة صوفية همها الوحيد تربية القلوب وتهذيب النفوس، كان ذلك يضفي عليه السماحة والتعالي عن الكثير من الأمور، وتفضيل التعامل بروية وانفتاح كبير.

يأخذ بالحيطة ، وصاحب ذهن متقد، ويخطط للمستقبل جيدا، و لا يترك شيئا للصدفة ويتميز بالأناة.

ولد الغزواني في الميدان

رافقته في ميدان التحضير لاشتباك عسكري محتمل مع الجيش المالي في التسعينات وعرفة طينته الصلبة، حينما كانت هناك خروقات من السلطات المالية التي تعمدت اجتياز التراب الموريتاني، وسعت الإدارة الإقليمية للصلح وفشلت بسبب تعنت السلطات المالية التي بدا أنها تريد اختبار جاهزية الجيش الموريتاني، فتم إرسال وحدات من الجيش 1993 يقودها ولد الغزواني ورافقته حينها، حيث نفذنا مناورات بالذخيرة الحية وبالمدرعات وبعد ذلك استجابت الإدارة المالية -رغم الظروف الميدانية الصعبة- لمطالب موريتانيا وكفت عن انتهاك الحدود، ومضايقة المنتجعين، وهي اول فرصة يتاح لنا رؤية القائد ولد الغزواني على الميدان والذي كان رجلا جلدا لكن الحكمة كانت تغلب عليه.

حادثة الفأس

تحضرني حادثة وقعت بكتيبة المدرعات حيث حمل احد الجنود فأسا وهدد العسكريين بقتلهم في ساحة الكتيبة، لكن القائد طلب دخوله عليه في المكتب ولم يتخذ ضده اجراء صارما ، و بعد مخاطبته والاستماع إليه والاعتراف به كإنسان يجب الاستماع له، خر الجندي وانهمرت دموعه وسامحه وتحول العسكري من ثور هائج، إلى حمل وديع بكى واعتذر، بعد أن فعلت الحكمة مفعولها.. اطفأت نار غضبه، وجردته من سلاحه وعاد لطبعه.

رغم أن الحادثة كانت داخل الكتيبة وبحضور كافة العسكريين اللذين كان بإمكانهم تقييده بكل سهولة ومعاقبته، لكن الروح الإنسانية وحب مجنديه كان طاغيا على شخصيته، كإنسان مثقف وذكي يطبق مقولة معاوية بن أبي سفيان..  لا اضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني.

لقد كان يحيطنا بعانية معنوية وكل واحد من الضباط يعتقد بأنه الاقرب منه.

علاقته بالرئيس عزيز

الصداقة ليست جديدة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ أن التحقت بكتيبة الدروع لاحظت أن الصداقة حميمة وزادتها علاقة المصاهرة حيث أنه في 1993 تزوج ولد الغزواني من إبنة خالة عزيز منت اللهاه، وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز يزوره في كتيبة الدروع.

وأحيانا يقومان بزيارة مفاجئة للكتيبة في الليل وكان عزيز يرافقه في بعض الأحيان ما أكد لي بأن الصداقة عميقة وليست وليدة احداث.

تطور الجيش

له دور كبير وبارز في النقلة النوعية التي حدثت للقوات المسلحة لأنه كان قائدا يؤلمه النقص الحاد في العتاد وضعف الاهتمام بالعناصر وشح الوسائل، وكانوا كقادة لديهم عناء مبالغ، كما أن هناك دورا أساسيا لانقلاب 2003 حيث كان سببا مباشرا في تطور الحس الأمني والاهتمام  بالجانب المعنوي للجنود وضباط الصف بشكل خاص حيث تضاعفت الرواتب والعلاوات وتم بناء الثكنات وتجهيز الجيش وتوفير العتاد بمختلف انواعه، وضمان ولاء الجندي بتوفير كافة احتياجاته الإنسانية والعائلية، وقد كان  للقيادة الحالية اهتمام كبير بتزويد الجيش بالعتاد وتوفير البنى التحتية، إلا أن كل ذلك لم يكن ليتم لولا إرادة التطوير التي تسكن القائد.

رفض قتل المواطنين

يسرد المصطفى حادثة رفض خلالها القائد الغزواني استعمال الذخيرة الحية ضد المواطنين قائلا:.. خلال 2003 -الانتخابات الرئاسية- قال لي أحد الضباط بأنه وصلته تعليمات وإذن من القيادة بإطلاق النار على المتظاهرين قبيل الانتخابات، فقال بأنه يعتقد بأن المخاوف من الدولة مبالغ فيها ، و لا يرى مبررا لاستخدام الذخيرة الحية ضد المواطنين.

وذلك بعد أن قالت تقارير امنية أن المعارضة حينها دعت للعصيان المدني والفوضى في حال لم تكن نتائج الانتخابات في صالحهم.

الانقلاب آخر شيء يفكر به

كان الرئيس السابق معاوية ولد الطائع يستشيره حتى في تعيينات وتحويلات الضباط وكذلك في تعيينات الإدارة الإقليمية الولاة والحكام.

آخر ما كان يدور في خلده هو الإطاحة بنظام ولد الطائع، وكانت هناك حادثة مفصلية قال ولد الطائع خلالها للسفير الجزائري بعد ان استدعاه في مكتبه أن الجماعات الإرهابية تجول بالأراضي الجزائرية دون سيطرة وأن موريتانيا يمكنها الدخول للأراضي الجزائرية لتعقبهم، وهو ما  أوضح أن الرئيس حينها لم يعد في وعيه، وقد استطاع ولد الغزواني تلطيف الأجواء لمعرفته بقدرات الجيش المحدودة حينها.

سمته الغالبة أنه يعرض عن الجاهلين، وعندما يتحتم عليه بإمكانه أن يوقف أيا كان عند حده.

وأذكر أنه كان كثير التجوال بزيه التقليدي في العاصمة، ويقوم الليل راكعا وكنت اعرف الكثير من الضباط لا يقوم حتى بالفرائض في وقتها، ودخلت عليه مكتبه مرات وهو يصلي النوافل.

كان كثير الانطواء على نفسه ولا يختلط مع الضباط ويسعى لتجنب الكثير من زملائه في الخدمة.

طبيعته التخطيط العميق…

لا يرتجل القرارات ، جانبه الإنساني يطغى على جانبه العسكري ليس صارما صرامة مخلة ولا مرنا عن ضعف، ملم بجميع الملفات التي تربط موريتانيا بالدول المجاورة وحتى بالاتحاد الأوروبي ، وقد كان محوريا في الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بعد زوال حكم ولد الطائع ومكافحة الإرهاب والمخدرات.

وله إلمام  بالجانب السياسي والاقتصادي، وخبرته في المؤسسة العسكرية والأمنية تجعل منه شخصا لو اتيحت له فرصة قيادة البلد فسيشهد تغييرات كبيرة في قناعات بناء الإنسان الذي يعتبره العامل الأساسي، وأكثر شيء نحتاجه هو تغيير العقليات، فالبلد غير فقير بالموارد والإمكانيات، ما ينقصه هو عقلية سليمة، وأشخاص مستقيمين، ما ينقصنا هو الاعتماد على معايير الكفاءة والعقليات السليمة، والتحرر من العيوب التي ترزح تحتها النخبة .

وهو ما تجسده شخصية القائد ولد الغزواني، الذي ارى بانه منفتح على المعارضة، وهو ما جسده خطابه للمعارضة ولقاءاته معهم بعد رصاصة الطويلة التي كان حينها كرسي الرئاسة شاغرا، وقد ساهم في إقناع المعارضة بعدم التصعيد لأن البلد لا يحتمل وتمكن من اقناعهم بعد ان كانت المعارضة حينها في أوج قوتها وتسير الآلاف في الشوارع وتمكن من كبح جماح ثورة محتملة، كما أنه كان وفيا لعهوده.

 والشواهد كثيرة  على قدرته الفائقة كمحاور مقنع، حيث استطاع امتصاص زخم المعارضة حينها التي كانت تسير عشرات اللآلاف من المتظاهرين في الميدان واظن ان آخر خيار لديه أن يقبل بالترشح للرئاسة لأنه حسب معرفتي شخص غير محب للسلطة.

وحول امكانية ترشحيه يؤكد المصطفى حسب معاشرته لقائده السابق قائلا:”.. اظن اننا قطعنا اشواطا نحو الديمقراطية وبات الشخص الموجود في الكرسي -ايا كان- مقتنعا بضرورة التناوب السلمي، لكنني اجزم أن الرئاسة ليست أولوية بالنسبة له ولا شغلا شاغلا”.

وليس محبا للظهور، فجميع قادة المجلس الاعلى للدولة ظهروا مرات عديدة في مهرجانات جماهيرية، ولهم تصريحات اعلامية كثيرة، باستنثاء ولد الغزواني الذي لا يوجد له أي تسجيل أو تصريح باستثناء مداخلتين فقط بعد انقلاب 2005 ، فهو لا يحتاج للظهور أو لإثبات الولاء أو القوة لذلك كان ظهوره الإعلامي محدودا جدا لأنه واثق من ذاته تمام الثقة.

وبخصوص الأسماء المرشحة حسب توقع ولد الشيباني لخلافة قائد اركان الجيوش بعد التقاعد قال:”.. بحكم خبرتي لا يمكن أن يقود الجيش حسب قوانينه سوى ضابط مشاة، ومن المرشحين المدير العام للجمارك الداه ولد المامي، والفريق محمد ولد مكت المدير العام للأمن الوطني”.

الجميع اصدقاءه  لأنه لا يختلق العداوات، ومن بين اصدقائه المقربين في الخدمة العسكرية مدير الجمارك الداه ولد المامي والفريق حننا ولد سيدي نائبه وأول هؤلاء بالطبع رئيس الجمهورية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى