المستعرضغرافيتي

خطري ولد اسليمان..الشيخ الذي اعتقل بسبب سعر الخبر

رؤيا بوست: خطري ولد اسليمان  مواطن موريتاني ولد سنة 1956 في كوبني هكذا يعرف نفسه بكل بساطة،  بالكاد يجهله المارون بتلك المدينة الشرقية، أحرى المقيمون بداخلها، اعتقله الحرس الرئاسي خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية ومنعوه من الحديث امامه، لأنه ببساطة ليس على لائحة المتحدثين التي يقول بأن أغلبها أشخاص مجلوبون من العاصمة، وآخرون يتقنون رسم لوحة وردية للواقع، و لا يضعون اليد على الجرح.

ولأنه جبل على الصدح بأوجاع المواطنين -لسان حاله يقول ما ترك لي الحق صديقا- يجاهر بما يخشى الآخرون أن ينطقوا به أمام المسؤولين رغم تندرهم به في المجالس الخاصة، من حالة تردي الخدمات العمومية، وسوء معاملة غالبية العاملين في تلك المرافق الخدمية، محاولين تشكيل لوحة براقة عن مدينة بائسة، سكانها مقهورون، يضعون إبر التغذية على قارعة الطريق لضيق المستشفى، ويعانون من صنوف الفقر والمرض.

رغم أن مدينتهم كوبني -و للمفارقة- اكثر المناطق التي تشهد صراعات السياسيين المنحدرين منها، والوافدين إليها حتى من دولة مالي المجاورة، طمعا في ورود خزانها الانتخابي، حتى أصبحت مضرب الأمثال بالعبارة الشهيرة “وني كد اصوات كوبني”.

يقول الكاتب المصري الساخر جلال عامر لا تصدق العريس في فترة الخطوبة، ولا المرشح في فترة الحملة الانتخابية، وبحجم ما تفيد الجملة من كلام معسول لمخاطبة ود الناخبين، بقدر ما تعكس الحالة التي يسعى المنتخبون والأعيان من خلالها لتلميع واقع بائس، تارة عبر الوعود الزائفة، ومرة عبر مداهنة المسؤولين .

يقول ولد اسليمان بأنه يقوم بدور المجتمع السياسي والمدني في آن واحد، وهو رجل كبير في السن ومحاصر من قبل الإدارة، معتبرا بأن الأحزاب السياسية لا تقوم بالدور اللازم رغم كثرتها في مواسم الانتخابات، وجعجعتها التي لا تنتج طحينا للمواطن، وكأنه يتمثل قول أحمد مطر.

أكثَرُ الأشياءِِ في بَلدَتِنـا

الأحـزابُ

والفَقْـرُ

وحالاتُ الطّـلاقِ .

عِنـدَنا عشرَةُ أحـزابٍ ونِصفُ الحِزبِ

في كُلِّ زُقــاقِ !

كُلُّهـا يسعـى إلى نبْـذِ الشِّقاقِ !

كُلّها يَنشَقُّ في السّاعـةِ شَقّينِ

ويَنشَـقُّ على الشَّقّينِ شَـقَّانِ

وَيَنشقّانِ عن شَقّيهِما ..

من أجـلِ تحقيـقِ الوِفـاقِ !

دفعت هذه الأوضاع بالشيخ خطري  ، -الرجل الذي لا يخاف في الحق لومة لائم- لأن يكون معرضا للبطش، وموضعا للسخرية احيانا، لا يثنيه خوف سلطان ولاطمع بما في أيدي الناس، يصفه رؤساء المصالح والإداريون بالمجنون، ويصفه المطحونون بأنه صوتهم المكتوم.

أما هو  فيردد أن حاله يشبه “الكاف”  من الشعر الشعبي :
ثقل فالدهر ألي اثقال ** من ش لاه يعاسر
عودان الحق إلا انكال ** يطر منو ش خاسر
عرف الرجل كثيرا من المضايقات والتغييب التام عن المنصات والاجتماعات الرسمية، بدءا بطرده من أمام الأماكن الرسمية فترة زيارة المسؤولين، ومرورا بسجنه عدة ساعات حتى تنتهي الزيارة ، وانتهاء بتهميشه ونهره كل ما أراد أن يتكلم دون أن يعرف أحد ماذا سيقول.
كانت آخر تلك الاعتقلات على خلفية زيادة اسعار الخبز في كوبني، ويروي خطري لرؤيا بوست كيف احتقره حاكم المقاطعة ووجه له ألفاظا نابية.
يقول الكهل خطري: “في بداية شهر اغسطس الماضي شهد الخبز “امبور لحطب” ارتفاعا في اسعاره من 40 إلى 50 أوقية قديمة وذلك من دون مبرر كارتفاع مادة الفارين والمواد المنشأة أصلا للخبز،  ذهبت إلى حاكم المقاطعة لابلاغه، فوجدته في إجازة واستقبلني الحاكم المساعد ووعدني بفتح تحقيق حول اسباب الارتفاع، وعندما تأكد من عدم وجود اسباب منطقية لرفع أسعار هذه المادة الاستهلاكية الضرورية أمر بإعادة الخبر إلى سعره القديم، وتم ذلك مدة أيام فقط.

عاد الباعة لرفع السعر مجددا في تحد للسلطات والمستهلك البسيط الذي يقع عليه العبء الأكبر، وعدت بدوري لمخاطبة السلطات الإدارية ووجدت الحاكم المركزي قد عاد من إجازته قبيل الانتخابات الماضية، واستدعى وجهاء المقاطعة وفاعليها السياسيين وحضرت ضمنهم وافتتحت كلامي بخبر ارتفاع الخبز فشتمني وطردني.

وعند خروجي من مكتبه تبعني أحد عناصر الشرطة -بأوامر من الحاكم فيما يبدو- واقتادني إلى مخفر الشرطة حيث امضيت عدة ساعات في ضيافتهم، بالرغم من حالتي الصحية وتقدمي في السن.

وعند خروجي من مخفر الشرطة ذهبت إلى الرجل الأول بالمقاطعة وسألته لماذا تعتقلني وأنا المعروف بوقوفي إلى جانب الضعفاء والمظلومين، ومعروف كذلك بعدم سفهي في هذه السن؟ .

فرد علي سوف نلتقي بك واعطاني رقم هاتفه، وحتى الآن لم يرد على هاتفه رغم اتصالاتي المتكررة، ولم يسمح لي بلقائه، وبقي في كبريائه ودكتاتوريته وبقي الخبز في ارتفاع.

رؤيا بوست

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى