غرافيتي

الجاسوس الفرنسي كامي دولس يصف حضرة الشيخ ماء العينين ومبايعة قبائل الصحراء للجهاد

يقول المؤرخ الفرنسي بول مارتي بأن الحسنة الوحيدة للشيخ ماء العينين هي إنقاذه لكامي دولز بعد أن تظاهر بالإسلام

من المعروف أن كامي دولس جاسوس فرنسي تنكر في في زي تاجر مسلم من اجل اختراق قبائل الصحراء ودراستها، وقد اعتقله مجاهدون من اولاد دليم بقيادة ابراهيم بن محمد فور وصول سفينته الى شاطىء بوجدور يوم 11 يناير سنة 1887 وقاموا بتسليمه إلى الشيخ ماء العينين ليبت في امره،  وقد أطلق سراحه بعد أن تظاهر بالاسلام ..

يقول كامي دولس عن تفاصيل رحلته الى السمارة :

[ وبعد ان ركبت الجمل صرت انا وابراهيم في مقدمة القافلة ,ويرافقنا اربعة بيضان .ومن الغد سافرنا مدة ساعة قبل طلوع الشمس وخلال اليوم سوف نصل الى حي الشيخ ماء العينين , وقد كنت مملوءا بالهواجس اتجاه لقائي بهذا الشريف الكبير وانا في الحقيقة اتذكر انه في السنة المنصرمة ,ماء العينين نفسه بعث باشخاص لاغتيال “كيروجا” وسيرفيرا وهما اسبانيان كانا يعبران أدرار ولم يستطع هذان المستكشفان أن يفلتا إلا بهروب سريع .كما انني سألت العديد من البيضان عن هذا الشريف , وكانوا يعطونني مجموعة من التفاصيل التي تبعث على الاستغراب لقد كان رجلا فاضلا,غنيا , وقديسا جدا كانت تلك اجوبة المرافقين لي في الطريق , إنه يملك عدة مئات من الابل وله اربع زوجات شرعيات الشيء النادر في البدو . وفي المساء وصلنا إلى مضارب الشريف الكبير . لقد كان العديد من الخيام المتراصة بشكل دائري تبرز وسطها خيمة عالية يوحي شكلها ولونها على انها صناعة اوروبية , فقد كانت مثمنة الاضلاع على شكل قبة من نسيج القطن الابيض .

وكان المخيم يعج بالنشاط ,مجموعة من المحاربين ينتمون الى مختلف القبائل البدوية الصحراوية يتسارعون نحو الخيمة المخصصة لمقابلة الشيخ , وهذه الخيمة التي هي من القطن كذلك لاتماثل الخيمة الاولى شكلا ولاحجما , بل تكاد تغيب في ركن من أركان المخيم . وفي هذا الخضم المحيط بي لاحظت اصنافا مختلفة من قبائل الصحراء الغربية : أولاد دليم بملامحهم الصارمة وأشعارهم الطويلة المنسدلة على مناكبهم , الرقيبات الذين يمثلون قمة الهرم الاجتماعي بين البدو بسبب أصلهم الشريف وهناك العروسيين الذين ينتمون بدورهم إلى أصل شريف ولكن لهم أشعار متجعدة ووجوه بارزة تدل على الاختلاط العرقي . تم احضاري الى خيمة الشيخ الذي كان يترأس حفلة مبايعة ويوزع الذخائر على البدو الذين جاءوا من جميع الجهات ,لتعظيم هذه الشخصية المقدسة .تم وضعي في مدخل الخيمة من أجل ان يختبرني الشيخ عند فراغه من الحفلة الجارية . كان الشيخ ماء العينين يجلس على زربية مغربية جميلة ,محاطا بتلامذته يبرز من بينهم كأنه ملك هندي , الوجه ملثم , والرأس يحمل عمامة تعطي بعدا اخر ,متدثر بثوب أزرق محيط بجسمه ولايظهر من شخصه البارز سوى عينيه اللامعتين , ويديه الموضوعتين على ركبتيه . وكان البيضان عند مدخل الخيمة ينحنون فور وصولهم إلى طرف الخيمة وهم شبه زاحفين , حتى يقبلوا يد الجهبذ البدوي , واكثرهم يطلبون الاستشفاء . ومن فينة لاخرى كان الشريف يرمقني بعينيه وبتقابل نظراتنا كان يخفض جفنيه مظهرا ترحيبه .

وبعد هنيهة نطق بكلمات بصوت هادئي . عندئذ أشار الى التلامذة بالاقتراب , وكانت سلسلة برجلي . وقفت وصلصلة الحديد تجذب انتباه الحاضرين ووسط هدوء تام تقدمت نحو الشيخ ماء العينين , كان وقتا مهيبا لن انساه أبدا . قال لي ان أجلس بالقرب منه , وقد كدت ان الامس ثيابه , ومد لي يده اليمنى فقبلتها كما رأيت البدو يفعلون . ثم وبصوت مقتضب وبرفق سألني عدة أسئلة , كان يعرف الجزائر بالاسم كلمته عن هذا البلد كوطن لي قائلا له :بأنني كنت فرنسيا لكن هذا لايحط من وصفي كمسلم وأنه يوجد عندنا مسلمون كما هو الحال في الصحراء . سألني الشيخ هل تعرف الفاتحة ؟ فاجبته نعم . فطلب مني أن اتلوها بصوت عال, ولما انهيتها سألني هل تعرف الكتابة بالعربية ؟ فاجبته بانني استطيع أن اكتب ماهو ضروري للتجارة . فطلب مني أن أكتب اسمي على التراب بقضيب من الخشب , فنفذت على الفور . ولما اجبت بصورة مرضية على جميع الاسئلة أخذ الكلام وخاطب البيضان الذين كانوا ينتظرون حكمه بتلهف : ” اخواني الحمد لله إن هذا الرجل مسلم انزعوا عنه القيد وردوا اليه ما اخذتم منه . أصدر الشيخ ماء العينين حكمه . وكان إذنا في تسريحنا .]

يقول الدكتور المهدي ولد محمد يحي بأن الفوارق الثقافية والاجتماعية بين البيظان والأوروبيين هي التي جعلت الكثير من المستكشفين يقعون ضحايا سوء الفهم، بحيث يتصوّر الأوروبي أنّ البيظان متوحّشون ولديهم غلظة وفظاظة وفي المقابل يتبادر إلى أذهان البيظان أنّ الأوروبي – الذي دخل حماهم دون استئذان – عدو بالضرورة ويجب التخلّص منه. ضحايا سوء الفهم من الرحّالة والمستكشفين كثر، وقد دافع بول مارتي عن البيظان، حين وصفهم الرحالة الانگليزي Mungo Park بما لا يليق، وذلك حين نزل عند أحد مخيّمات أولاد امبارك، وقال بول مارتي إن الخطأ كان من مونكو وليس من أولاد امبارك، بل إن أمير أولاد امبارك حينها هو الذي تكفّل بإيصاله إلى تمبكتو.

ثمّ إن البيظان كثيرا ما أكرموا نزل المستكشفين، ومن ذلك ما حصل للمستكشف ريني كاييه، الذي مرض في منطقة البراكنة وتولّت إحدى العجائز علاجه وحتى كاميل دولز هذا الذي وصف أولاد ادليم بما لا يليق أنقذه من الموت أحد رجالهم، بحيث منع الناس من قتله.

ضحايا سوء الفهم هم الذين يقدّمون دائما غير صحيحة وغير واقعية.

طبعا الموقف الوحيد الذي امتدح فيه بول مارتي الشيخ ماء العينين هو دوره في إنقاذ كاميل دولز من أيادي أولاد ادليم، وقال إنها الحسنة الوحيدة التي تحسب له.

المصدر “رحلات واستكشافات في الصحراء الغربية في القرن التاسع عشر ” تاليف موريس باربي ..الصفحة 294 و298 .

منقول من كتاب الشيخ ماء العينين علماء وامراء في مواجهة الاستعمار الاوربي

الصورة من ارشيف المؤرخ الدكتور سيد أحمد الامير

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى