رأي
العلامة عبد الله بن بيه يكتب: الشرق والغرب والعولمة

لشرق و الغرب و العولمة؟ أعتقد أن هذا العنوان يثير من الأسئلة أكثر مما يتيح من الأجوبة. في سياق اجتماعنا هذا ، عن أي شرق نتكلم ؟ هل هو الشرق الجغرافي كالصين واليابان ؟ أم الشرق: الأفكار والنظم ؟ هل هو الشرق التاريخي أم الشرق اليوم ؟ ونفس الأسئلة ترد على سؤال عن أي غرب نتكلم ؟ هل الغرب الجغرافي و الذي يعني الأمريكتين و ربما أوروبا الغربية و حتى غرب إفريقيا ؟ أم هو الأفكار و النظم ؟ التي تشير إلى الديموقراطية و حقوق الإنسان وبهذا تكون اليابان مثلاً غرباً. لعل السؤال عملياً يتعلق بالمنطقة الوسطى التي يطلق عليها البعض الشرق الأوسط في علاقتها بأوروبا الغربية و أمريكا في عالم اليوم ، عالم العولمة التقنية والتواصل ، دعونا نعرفها بأنها المنطقة التي يدين أكثر سكانها بالإسلام ، إنها منطقة تتعرف تاريخياً بالتميز عن أوروبا و في نفس الوقت بالتأثر بها. و بعبارة أخرى (بحضور أوروبا) الدائم بكل سياساتها بل في أحلامها مع أن جارنا الغربي لا يترك فرصة إلا ذكر بهذا الحضور عبر بحيرة المتوسط بسفن تحمل مواد التجارة والصناعة، لكنها أحياناً تحمل الأسلحة والجنود ، و في الإتجاه الآخر تاريخياً يقع نفس الشيء ، وها هي ذات السفن تحمل الآن أفواج اللاجئين لاختبار صبر أوروبا. إنهما ليسا جارين متلاصقي الجدران بل توأمان سياميان ربّما لو فصل أحدهما لمات الآخر رغماً عن كل الخصومات و الاختلافات. هذان التوأمان يختبران اليوم مدى قدرتهما على المبادرة التاريخية للخروج من أزمة المرحلة الحرجة الدائمة أصلاً و التي ازدادات تعقيداً لأسباب ذاتية ترجع للتركيبة الطائفية و المطامع السياسية و تدخلات عسكرية كان فيها كثير من سوء التقدير مما أوصل هذه المنطقة المنكوبة إلى درجة متقدمة من الجنون الذي عبر بدوره البحيرة إلى الغرب مؤكداً من جديد المصير المشترك. إننا يمكن أن نتحدث عن الهويات التي انتفخت وعن ذاكرة السوء التاريخية التي استيقظت تجر موكباً من المتعصبين و الإيديولوجيات المتحاربة. و في عالم معولم تشيع فيه الأفكار و الثقافات المختلفة وتروج فيه المبادلات الاقتصادية و الابتكارات التكنولوجية فإن وسائل التواصل و المواصلات لعبت دوراً و للمفارقة زاد الهوّة اتساعاً بين البشر ليس فقط بين ضفتي البحيرة بل بين مكونات مجتمعات الشرق الأدنى أو المنطقة الوسطى فأوجدت كيانات لا تقبل أن تتعايش. إن الحكماء و العقلاء يجب أن يتضامنوا للبحث عن سبل العيش من نوع تلك التي ينادي بها الشاعر الفرنسي بول ايلوارد*: إنه قانون البشر القاسي أن يبقوا كما هم رغم الحرب و البؤس و رغم أهوال الموت إنه قانون البشر الناعم أن يحولوا الماء إلى ضوء و الحلم إلى واقع و الأعداء إلى إخوة قانون قديم وحديث يواصل اكتماله من قلب الطفل إلى العقل الأكمل و ختاماً فإن الحضارات تمرض كما يقول “نيتشه” و حضارتنا المعاصرة مريضة فأدعوكم جميعاً للبحث عن الدواء في صيدلية حكمة الشرق و الغرب.
العلامة : عبدالله بن بيّه/ رئيس منتدى تعزيز السلم