كتابنا

مفهوم الإسلام/ مولاي عمر ولد مولاي ادريس

 قد يتبادر إلى ذهن القارئ ـ استنادا إلى دلالة العنوان ـ أن هنالك مفهوما واحدا للإسلام ، والواقع غير ذلك : حيث توجد مفاهيم عديدة ومختلفة للإسلام بعضها تمت صياغته ، بشكل غير مباشر ، عبر تطبيقات وتجليات لهذا الدين تتمثل في مذاهب وتوجهات وطوائف تتبنى كل منها فعليا ولا شعوريا مفهوما خاصا بها للإسلام ترى أنه هو الإسلام الحق الصحيح ، في مقابل التمثلات والتطبيقات الأخرى التي تعتبر تمثلات خاطئة ـ ولو جزئيا ـ للإسلام . وبالرغم من أن المذاهب والطوائف الإسلامية لا يُلقَى لدى أي منها تعريفٌ أو حدٌّ مصوغٌ لإسلامها الخاص يمكن الرجوع إليه ، إلا أنها جميعها ـ كما أسلفنا ترى لا شعوريا ـ تمثُّلَها وتصورها لهذا الدين هو الدينَ نفسه . ثمة بعضٌ آخر من المفاهيم المبلورة للإسلام لكن من خارجه ، وأهمها يتجلى في التصورات التي رسختها الدراسات الاستشراقية ، خاصة المتطرفة منها ( الفرنسية والإنجليزية ) ، والتي أخذت بها السياسات الغربية لأنها تخدم مطامحها التوسعية ، وتحول دون انتشار الإسلام الذي أدركت أنه قادر على اجتذاب الشعوب الغربية والعالمية لما له من مقدرة على ملإ الفراغ الوجداني والروحاني الذي تعيشه تلك الشعوب ، وعلى الإجابة على أهم الأسئلة الوجودية والفكرية التي تطرح عليها . إن التصورات الاستشراقية التي نشير إليها رسَّخت ـ إلى جانب وسائل الإعلام الغربية ـ صورة تعرض الإسلام في شكل “إرهاب” وعنف ورجعية وانكفاء على الذات وولع بالقتل والدم ، وهذا ما انتبه إليه إدوارد سعيد في كتابيه ( الاستشراق و تغطية الإسلام ) ، فصار من شبه المستحيل تخيل المسلم من طرف الغربيين إلا وهو ملتح ، ذو جلباب كثيف ، يحمل بندقية أورشاشا، أو يرتدي حزاما ناسفا (وهنا يحكم على اللحية بأنها لا يمكن أن توجد في سياق أخر / مسالم )، أو تخيل المسلمة في غير عباءة وبرقع أسودين ، متصفةً بطبيعة ذكورية عنيفة وغليظة ومثيرة للفزع ، ومكتنَفة بالغموض والشك . ومن ثم يكون الإسلام ـ حسب ما يسوَّغ في الغرب ـ داعشَ وجبهة النصرة والقاعدة وبوكو حرام وأنصار الشريعة والانتحاريين …الخ . ومما يشعر بالأسف أن بعضا من المسلمين المتطرفين أصوليا على المستويين الفكري والوجداني ـ وإن لم يصل تطرفهم حد الانخراط الفعلي في حركات تكفيرية ـ والمتطرفين في الاتجاه المقابل ( علمانيون متعصبون ) ، يؤكدون هذه الفكرة ويؤيدونها ، إلى جانب الحركات الإرهابية التي تتفق مع هذا الطرح .

لا شك إذن أن مفهوما للإسلام يبقى غائبا عن الساحة الفكرية الإسلامية والغربية ، إلا قليلا ، ويراد له ذلك ، ألا وهو الإسلام المجرد السالم من التطبيق (على الأقل حاليا ) ، الإسلام المحمدي الذي هو رؤية شاملة للعالم ، وثورة إصلاحية كبرى ، ورهان عدالة ومساواة وحل لمشاكل العالم ، والذي هو غايات ومقاصد ليس فيها مقصد تدميري أو تخريبي واحد ، بل كلها مقاصد إصلاح وتغيير نحو الأحسن والأمثل . ذلك الإسلام المحمدي الغائب عن التطبيق ، والذي لا يُعترف به غربيا ، ولا عند الجماعات الإرهابية ، هو الذي تؤمن به غالبية المسلمين ، وهو جامع لمختلف تمثلاتهم المذهبية ومفاهيمهم المصوغة عن الإسلام ( إذ هو المرجعية المشتركة التي ترى كل طائفة أنها تطبقها أفضل من غيرها من الطوائف دون أن تكفر طائفة الأخرى أو تفسقها ، إذا استثنينا أصواتا متعصبة قليلة تظهر من زمن إلى آخر ) ، لكن مجريات الوضع الراهن لا تتيح إمكانية تطبيقه ، بسبب عوامل بعضها داخلي ، وبعضها وراءه أياد خارجية .

ليس يدري العالم الغربي والمنفعلون به من مدعي الوعي في العالم العربي والإسلامي(العلمانيون المتطرفون) من جهة ، والإرهابيون الإسلاميون من جهة ثانية ، أنهم يحاولون حصر المسلم المعتدل بين خيارين أحلاهما مر : أولهما : أن يتخلى عن اعتداله كي يعترف التطرف بأنه مسلم وثانيهما : أن ينسلخ من هويته وإسلامه كي لا يصفه الغربيون بالإرهاب .

حيث إنه لا توجد صورة أخرى للإسلام معترف بها ـ خاصة على الصعيد السياسي ـ في الغرب غير صورة الإسلام / الإرهاب . ويبقى صوت الإسلام المحمدي مخنوقا بين جوقة الأصوات التي لا تريد له أن يُسمع .

مولاي عمر ولد مولاي ادريس

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى