ليست مرايانا التي نعرفها جميعا ، و التي نقف أمامها ، لترفع من معنويات قيمة أجسادنا و جمالنا الطيني ، لا ، إنها مرايا أخرى ، مرايا لا تكذب و لا تهادن و لا تعرف المجاملة ، و لا تهتم بمظهرك السطحي ، إنها تعكس الدواخل فتخرج لك كشفا بكل ما يعتمل في داخلك ، لن تملك إلا أن تسلم بدقة نتائجه .
إنها مرايا الروح ، فهل وجدت من الوقت يوما ، دقيقة لتقف أمامها ، و هل صادف و أن أسكتها يوما و هي تحاول أن تقول لك ، حان وقت الوقوف أمامي ، إنك توغل بعيدا في الهروب مني ، قف نتصالح ، قف فقد حان وقت الحساب .
ليس هناك ضمير حي و لا آخر ميت ، هناك روح حية متصالحة مع ذاتها فتغدوا وثابة ، ترى صاحبها ، فلا تملك إلا أن يأسرك ، و هناك روح ميتة أشبعت خذلانا ، فتاهت من صاحبها ، بعدما ملت وعوده بإصلاح ذات بينهما ، فتراه خاملا لا تعدل قيمته وزن ذبابة .
في كل صباح و حين نقف أمام مرايا أجسادنا ، يغيب عنا أن هناك مرايا أخرى أجدر بأن نقف أمامها ، مرايا تتوق للقائنا ، تتلهف لقليل من أشواقنا ، مرايا لطالما مسحت على جراحنا فشفيت ، ثم و بكل كبرياء نقول بأننا ذوو إرادة و أننا تخطينا الجراح ، بينما نداري في دواخلنا يدها المعجزة خوف أن تكشف ما لا يتوقع الآخرون أننا قمنا به يوما ما ، كل زيفنا ، كذبنا ، نفاقنا ، صفاقتنا ، و حتى ادعائنا بعمق صداقتنا للآخرين ، كان ليكون صادقا لا مراء فيه ، كان ليكون نقيا ، لو أننا تصالحنا مع ذواتنا ، قبل مشقة صداقة الآخرين ، لن تكون أنت و قد ينقضي العمر كله ، و لا تكون ، قبل أن تصادف تلك اللحظة التي تخاطب فيها روحك ، فتنصفها و تنصفك ، حينها فقط ، ستبتسم ، و أنت تبتسم ، و تضحك و أنت تضحك ، و لن تجد لشوارد الدنيا ثقلا على نفسك ، بل إنك ستكتشف في نفسك مكامنا لم تعتدها و قوة لم تألفها ، و ستكون أعتى المشاكل ، مجرد فقاعات ، لا تلبث أن تخترقها رياح عصفك الطاغي ، نحي الستارة جانبا و خاطب روحك ، تعرف على نفسك ، دع تلك المرآة تحدثك و لا تقاطعها ، تواصل معها كل حين ، العمر ليس مساحة للعيش فقط ، إنه أبعاد أخرى و مساحات ، قد تفنيه و لا تكتشفها ، عندما تكتشف روحك ، تكون عشت عمرا كافيا ، حتى و لو كان بطول إدراك و وعي ليلة واحدة ، اختلست فيها لحظة صفاء مع روحك ، تلك اللحظة هي عمرك الكامل .