المستعرضتعازي

سيد المختار بن امحمدي ….أبرزُ سادات الحوض وصُلَحائه يرحلُ في صمت..

ورَحَلَ عن دنيانا الفانية من وَسَمه الناس -كل الناس- بعظيم القدر، نافذ الأمر، عالي الشرف، فسيح الصدر، مع سَعَة العَناء، وعِظِم الإناء، وكرَم الآباء، رَحلَ وليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع فائدة، رَحَلَ آخر صلحائنا وساداتنا ابن خالنا -المشمول برحمة الله- سيدي المختار بن امحمدي -المولود بداية ثلاثينيات القرن المنصرم- بن سيدي المختار بن سيدي محمد -الذي كان رئيسا لأهل بوردة 1872م، -بن أحمد أرشق الملقب: دشق والمتوفى 1863م، 1279 للهجرة، والذي نَعَتَه: المحجوبي، في: منح الرب الغفور في ذكر ما أهمله صاحب فتح الشكور (برئيس السهوة)، أي الأطراف الشرقية من الحوض (اظهر، ولاتة، النعمة)، بن سيدي المختار بن سيدي أحمد بن الولي الصالح العارف المشهور: سيدي محمد بن الحاج بوردة، والمتوفى: 1187 للهجرة، 1774م، ترجمَ له العلامة المؤرخ محمد صالح بن عبد الوهاب في الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية، وذكر أنه سبب عِزِّ قومه ورئاستهم، مستعرضا أن بيت سيدي محمد الولي الصالح من أجَلِّ بيوت الزوايا، وأعظمهم قدرا وسيادة في أرضنا.
نشأ الفقيد في بيت السيادة في أهل بوردة -أبرز بطون قبيلة أولا داود- والمنتمون إلى: الحاج عبد الله بن بوردة المتوفى: 1170. وتولى الزعامة التي ورثها كابرا عن كابر، مُبَكِّرا، ومارسَ القيادة شابا يافعا كأبيه: امحمدي، بعد أن تلقى تعليمه، وعُرف بالحنكة والرزانة والدهاء، وكان محبوبا “لا يطوى بِشْرَه عن أحد”، يَهُشُ ويَبُشّ في وجوه الخاصة والعامة، بتواضع منقطع النظير.
تولى الأستاذ ابن خالنا: سيدي المختار، الأمانةَ العامة لحزب الشعب في مقاطعة باسكنو أواخر الستينيات، ثم ما لبث أن ترقى وترأس اللجنة الإقليمية في الولاية والمعهود إليها بفض النزاعات 1977.
وعاصر -رحمة الله عليه- مختلف الحكومات في الحركة الوطنية، وانتُخب لاحقا، عمدة لبلدية إشميم، الواقعة شرق مدينة النعمة، على بعد 30 كلم، وإشميم هذا في الأصل: بئر مشهورة، وهو من مواطن أهل بوردة تاريخيا، وأدارَ البلدية لمأموريتين بداية التسعينيات وحتى صدر الألفية، قبل أن يَعهَدَ بها إلى نجله الأكبر: سيدي محمد العمدة الحالي.
لم أُفَوّت على نفسى فرصة زيارته فجئتُه بمفردى، صلة للرحم، وتيمنا لنيل البركة والاستفادة، وصَحِبتُ سعادة النائب: محمد محمود بن سيدي بن حنن مرتين لصلته في إشميم، وكنتُ أتعهده متى قدم إلى نواكشوط.
يجيد الراحل لغة موليير بكفاءة، وعرفتُه مهذبا عاقلا، وقورا حسن السيرة طيب المعشر، كريما جوادا، وكان أحدَ من أحرصُ على مجالسته من كبار السن ومن الرواة الثقاة.
عاصر الفقيد من زعماء الحوض وساداته: سيدي بن حنن، ومولاي اعل بن مومن، واب بن اكيك، وأحمد بن الطالب محمود في (ليره)، وبونه بن حمادى فى أحوازها، والشيخ محمد الأمين ولد امحيميد، وديبه ولد الشين، وحمود ولد امخيطير، وإزيدنا بيه بن أحمد ولد النيه، ومحمد غالي ولد البو ولد عبدي ولد الجيد، ومحفوظ ولد خطرى.
ولِهِمّته وفضله زارنا: 1992م لما علِم بمقدم عمي الحافظ الفقيه الكريم الشيخ: الداه ولد عبد الل ولد محمد الأمين من جمهورية مالي الشقيقة، إلى الوطن، واحتفى به: الداه كثيرا بإجلال وتقدير، وأتذكر أن: الداه سَألَ: سيدي المختار، أيُّنا أشد آصرة وأعرق انتماء بأهل بوردة؟ فأنا -يتحدث: الداه- ابن العالية بنت اب عينى، وابن باده بنت العلمي ولد اعل قنوه، وابن نَنّه بنت المختار ولد اعل، وابن فاطم بنت أهل الحاج، فرد: سيدي المختار في أريحية ودهاء: إذن أنتم (أَبَرْدَدْ).
عاشَ -رحمة الله عليه- مرهوب الجانب، محافظا على منزلته ووقاره وهيبته، مُرَسّخا لرئاسته في قومه بالوعي والعزيمة والكياسة والتواضع وخدمة الناس، ومخالطتهم والصبر على أذاهم، فكسَب القَبول والركون إلى العافية والمسالمة.
وصانَ الشرف والعزّ والسيادة المتصلة في آبائه بحِلم وحزم، فوهبه الله اليقين وأدام عليه السكينة وحَبّبَه إلى خلقه، إلى أن وُورِي الثرى بمقابر إشميم: 22- 03- 2024م، واختاره الله إلى جواره في: سيد الأنام -يوم الجمعة- وفي أفضل الشهور، رمضان المعظم، فاللهم نعِّم روحه الزكية في الفردوس الأعلى، وتقبله في الصالحين، وبارك في عقبه، ولا تفتِنّا بعده، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عبد المالك ان ولد حنى، كاتب.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى