المستعرضرأي

إصلاح قطاع الاتصالات في موريتانيا/ المهندس سعدبوه الديه

قطاع الاتصالات في موريتانيا يواجه تحديات كبيرة تؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقاولين المحليين. على الرغم من الأهمية الحيوية لهذا القطاع في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الوضع الحالي يعكس تدهورًا ملحوظًا في خدمات الاتصالات، حيث يعاني المستخدمون من سوء جودة الشبكات وتكرار الانقطاعات، إضافة إلى بطء شديد في سرعة الإنترنت، وهو ما يتنافى مع المعايير الدولية لمراقبة جودة الخدمة (Qualité de Service, QoS).

تعتمد الشركات العاملة في قطاع الاتصالات في موريتانيا على بنية تحتية قديمة، حيث لا تزال تستخدم تقنيات متقادمة في شبكاتها، مثل الروابط الميكروويفية القديمة بدلاً من الألياف البصرية (Fibre optique) التي توفر سرعات نقل أعلى وثباتًا أفضل في الاتصال. هذا الاعتماد على التكنولوجيا القديمة يزيد من تعقيد إدارة النطاق الترددي (Gestion de la bande passante) ويساهم في تضخم مشكلة ازدحام الشبكة (Congestion du réseau) خلال فترات الذروة، حيث تعجز الشركات عن تطبيق تقنيات التشكيل المروري (Gestion du trafic) بكفاءة، مما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في أداء الشبكات وإحباط لدى المستخدمين.

تُضاف إلى هذه المشاكل التقنية، تبعية شركات الاتصالات لمصالح وأجندات خارجية، حيث تدار من مراكز قرار خارجية تهدف إلى تعظيم الأرباح على حساب الاستثمار في تحسين البنية التحتية. هذه التبعية تُعرض البلاد لخطر فقدان السيطرة على قطاع استراتيجي، حيث تتجاهل الشركات التزاماتها تجاه تطوير الشبكات أو تحسين جودة الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، تنخرط هذه الشركات في ممارسات تهرب ضريبي معقدة، مما يحرم الدولة من إيرادات هامة يمكن أن تستخدم في تمويل مشاريع تنموية أخرى.

في ظل هذا الواقع، تصبح الحاجة ماسة إلى تدخل الدولة لضمان حماية المصالح الوطنية. مشاركة الدولة في رأس مال هذه الشركات يمكن أن يساهم في تعزيز الرقابة على عملياتها وضمان التزامها بالمعايير المحلية. هذا التواجد الحكومي يتيح للدولة القدرة على التصدي لظاهرة التهرب الضريبي وضمان توجيه جزء من أرباح هذه الشركات نحو تحسين البنية التحتية وتوسيع نطاق التغطية (Extension de la couverture réseau) ليشمل المناطق النائية والريفية التي تعاني من نقص شديد في الخدمات.

إن وجود الدولة كشريك في رأس مال شركات الاتصالات لا يقتصر على الجانب المالي فقط، بل يمتد ليشمل حماية حقوق المقاولين المحليين، الذين يتعرضون للاستغلال من قبل هذه الشركات. كثيرًا ما تتلكأ الشركات في دفع مستحقات المقاولين لفترات طويلة، مما يؤدي إلى انهيار العديد من المقاولات الصغيرة والمتوسطة (PME) التي تعتمد على هذه المدفوعات في استمرار عملياتها. هذه الممارسات تؤدي إلى إضعاف النسيج الاقتصادي المحلي وتزيد من معدلات البطالة والفقر. بالإضافة إلى ذلك، تتعمد الشركات طرد العمال دون وجه حق، وتقوم بمماطلتهم في حقوقهم، مستغلة في ذلك ضعف التنظيم النقابي والرقابة الحكومية على التزامها بقوانين العمل.

من الممارسات الأخرى التي تؤثر سلبًا على القطاع، قيام شركات الاتصالات بتشكيل لوبيات عمالية تهدف إلى تحييد أي محاولات من قبل العمال للمطالبة بحقوقهم. هذه اللوبيات تعمل على تأجيج الأزمات الداخلية وخلق بيئة عمل غير مستقرة، مما يؤدي إلى تدني معنويات العمال وتأثير سلبي على الإنتاجية وجودة الخدمات. تفاقم هذه الوضعية يزيد من حاجة الدولة إلى فرض رقابة صارمة على سياسات هذه الشركات وضمان احترامها لحقوق العمال والمقاولين.

الإصلاح المطلوب لقطاع الاتصالات في موريتانيا يجب أن يكون شاملًا ومتكاملًا، بحيث يشمل تحسين البنية التحتية التقنية، وتحديث الإطار القانوني الذي ينظم عمل الشركات، وتعزيز دور الدولة في مراقبة العمليات المالية والإدارية لهذه الشركات. يجب على الدولة أيضًا تشجيع المنافسة العادلة (Concurrence équitable) بين الشركات المحلية والدولية، مما سيؤدي إلى تحسين جودة الخدمات وخفض الأسعار، وبالتالي تعزيز قدرة المواطنين والمقاولين على الاستفادة من الخدمات الرقمية.

من بين الحلول الأخرى التي يجب أن تنظر فيها الدولة، إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة أداء شركات الاتصالات وضمان التزامها بتحسين جودة الخدمة واحترام حقوق العمال والمقاولين. هذه الهيئة يمكن أن تعتمد على تقنيات متقدمة مثل المراقبة في الوقت الحقيقي (Surveillance en temps réel) وتحليل البيانات الكبيرة (Analytique des mégadonnées) لضمان أن تكون قراراتها مبنية على أسس علمية وتقنية دقيقة.

إضافة إلى ذلك، يجب على الدولة العمل على تحفيز الابتكار والتطوير في القطاع، من خلال تقديم الدعم المالي والتقني للشركات الناشئة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية. هذا الدعم يمكن أن يشمل تخفيف الأعباء الضريبية وتقديم تسهيلات تمويلية، مما سيساهم في خلق بيئة اقتصادية ديناميكية تجذب الاستثمارات الخارجية وتخلق فرص عمل جديدة للشباب الموريتاني.

في الختام، يجب أن تدرك الدولة أن قطاع الاتصالات ليس مجرد قطاع اقتصادي، بل هو أساس لتحقيق التنمية الشاملة في البلاد. بدون إصلاحات جذرية في هذا القطاع، ستظل موريتانيا متأخرة في مجال التكنولوجيا الرقمية، وستبقى الشركات الكبرى تستغل موارد البلاد دون أن تقدم ما يكفي من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني. الحل يكمن في تدخل قوي ومدروس من الدولة لضمان أن يعمل هذا القطاع الحيوي بما يخدم مصالح الوطن والمواطنين، ويوفر لهم خدمات ذات جودة عالية بأسعار معقولة، ويحمي حقوق العمال والمقاولين على حد سواء.

سعدبوه إسلم الديه/ مهندس خبير في الإتصالات

خريج المدرسة العليا للمواصلات بتونس SUP’COM Tunis

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى