رأي

النواب في مرمى المنصات المأجورة/ محمدو محمد المامي

في كل ديمقراطية سليمة، تُصان الإرادة الشعبية، ويُحترم صوت الناخب، ويُعامل النائب بما يليق بصفته ممثلًا شرعيًّا أفرزته صناديق الاقتراع، لا أن يُحوَّل إلى هدف للتشهير والاستهداف المجاني.

لكن المؤسف أن ما نشهده اليوم في واقعنا يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا؛ حملات ممنهجة لتشويه صورة بعض النواب، تُدار من وراء ستار، دون سند قانوني أو مستند أخلاقي، بل عبر صفحات مأجورة، تحوّلت إلى أدوات لتصفية الحسابات، مفتوحة لمن يدفع، مغلقة في وجه الحقيقة.

هذه المنصات، التي يديرها مرتزقة الرأي وتجار الأزمات، تحترف تلفيق الأكاذيب، وتقديمها في ثوب “معلومات مسرّبة” أو “حقائق صادمة”، بينما هي في جوهرها أدوات تحريض رخيصة، لا تخدم سوى الفوضى والتشويه.

هذه ليست حرية تعبير، بل فوضى مقنّعة، تمتهن الكذب وتبثّ السموم، تحت راية مزيفة من الشفافية والمساءلة.

وقد كان النائب عن دائرة بومديد أحد أبرز المستهدفين في حملة مفضوحة، أُريد بها النيل من سمعته ومكانته السياسية، لا لذنبٍ اقترفه، بل لأنه اختار أن يبقى صوتًا حرًّا، مستقلًّا، وفيًّا لثقة ناخبيه. ولم يكن هو الوحيد؛ فغيره من النواب الذين عُرفوا بنزاهتهم وجرأتهم، كانوا بدورهم عرضة لهذا الابتزاز الرقمي المنظّم.

إن ما يجري لا يمكن تصنيفه ضمن حرية التعبير، بل هو شكل من أشكال الجريمة السيبرانية، يجرّمه القانون الموريتاني، سواء في قانون الجريمة السيبرانية (القانون رقم 2016 – 007)، أو قانون حماية البيانات ذات الطابع الشخصي (القانون رقم 2017 – 020)، كما تجرّمه معظم التشريعات الحديثة لما يمثله من خطر على سمعة الأفراد ومكانة المؤسسات المنتخبة.

ومن هذا المنطلق، فإن المسؤولية مشتركة:

على الإعلام المهني أن ينأى بنفسه عن التجييش الرخيص والمحتوى المدفوع؛

وعلى النخب القانونية أن توضح للرأي العام الفارق بين النقد البنّاء والتشهير الممنهج؛

وعلى المواطن أن يتيقظ، وألا يسمح باستغلاله في مؤامرات قذرة لا تخدم الوطن ولا الديمقراطية.

لقد آن الأوان لأن نؤسس ثقافة تحترم ممثلي الشعب، وتحصّن العمل البرلماني من عبث الفضاء الرقمي، وتعيد الاعتبار للمحاسبة القانونية، بدلًا من تلك “المشانق الافتراضية” التي يُراد لها أن تحلّ محل العدالة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى